الإسهال بعد اللبن مرض أم ظاهرة ؟؟

كثير من الناس يصابون بالإسهال بعد شرب اللبن، وكثير منهم يظن أن اللبن ملوث ولكن الحقيقة غير ذلك. الحقيقة أن هؤلاء الناس مصابون بحالة تسمى إسهال عدم تحمل سكر اللاكتوز Lactose intolerance diarrhea. وتلعب الأغذية المتخمرة والميكروبات الصديقة دوراً أساسياً وهاما في حياة الناس الذين يعانون من عدم تحمل سكر اللاكتوز، وقبل توضيح هذا الدور (في مقال منفصل)، فسوف نلقي الضوء على ظاهرة عدم تحمل سكر اللاكتوز.

قصة هذا المرض أو الظاهرة

لقد أوضحت الدراسات أن تناول اللبن يؤدي إلى ظهور أعراض حادة من مغص وإسهال وانتفاخ وآلام في منطقة البطن لدى كثير من الناس. وقد استقر رأي العلماء على أن تلك الحالات تشكل مرض يسمى مرض عدم تحمل سكر اللاكتوز. ويرجع هذا المرض إلى وجود نقص في إفراز إنزيم اللاكتيز الذي يفرز في الأمعاء الدقيقة

وقد اكتشف هذا المرض لأول مرة في عام 1901م وذلك بواسطة مجموعة من أطباء الأطفال Pediatricians حيث قاموا بدراسة نشاط إنزيم اللاكتيز في الأمعاء وتوصلوا إلى أن إنزيم اللاكتيز يوجد في أمعاء الصغار ولكن نشاط هذا الإنزيم ينخفض عند الوصول إلى سن البلوغ، وإذا عاش الإنسان بطريقة خاطئة في تغذيته يظل نشاط هذا الإنزيم في التناقص حتى يتسبب في مشاكل صحية لا حصر لها.

وقد ثبت أن الأطفال لهم القدرة عند الولادة على إفراز إنزيم اللاكتيز ، وبالتالي فإن سكر اللاكتوز في لبن الأم يتم تكسيره إلى جلوكوز وجلاكتوز، حيث تمتص هذه السكريات في جدر الأمعاء الدقيقة وتمد الطفل الرضيع بالطاقة اللازمة لنموه ونشاطه. كما توجد في أمعاء الأطفال الرضع بعض الميكروبات التي تحول سكر اللاكتوز غير المهضوم إلى حامض اللاكتيك، وبالتالي تزيد حموضة الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة، وزيادة الحموضة في الأمعاء تؤدى إلى زيادة امتصاص بعض المعادن كما أن وجود بعض اللاكتوز حر في الأمعاء يزيد من نفاذية الأغشية المعوية مما يترتب عليه زيادة في امتصاص كل من الكالسيوم والزنك والفوسفور.

ومع تطور نمو الرضيع وزيادة احتياجاته من الطاقة، فإنه يحتاج إلى مصادر أخرى إضافية للغذاء وبالتالي يقل الدور الذي يلعبه اللبن كغذاء أساسي للطفل، فيقل اللاكتوز المتناول وبناءاً عليه ينخفض إفراز إنزيم اللاكتيز إذا لم يتعود الطفل على تناول مصادر لإنزيم اللاكتيز بشكل دائم بحيث يكون منهج حياة وليس لمدة محددة.

في حالة نقص إنزيم اللاكتيز وعدم قدرة الجسم على تكسير سكر اللاكتوز فإن هذا السكر الحر يبقى في الأمعاء الدقيقة دون أن يمتص، ومعنى وجود سكر اللاكتوز في الأمعاء الدقيقة هو زيادة الأسموزية وبالتالي يدخل الماء إلى تجويف الأمعاء ، أي ينتقل من الجسم إلى الأمعاء، وعليه فإن حجم العصارة المعوية يزداد مما يؤدى إلى ظهور أعراض المرض.

وعند دخول السكر إلى الأمعاء الغليظة تزداد المشكلة حيث تقوم البكتيريا التي تستوطن القولون بتخمير السكر إلى عدة جزئيات من الغاز (غاز الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وأحياناً غاز الميثان) وإلى أحماض دهنية قصيرة السلسلة مثل حامض الخليك بالإضافة إلى حامض اللاكتيك. إن وجود هذه النواتج الثانوية يلعب دوراً هاماً في ظهور المشاكل الصحية الناتجة عن وصول اللاكتوز الحر إلى القولون،

كما أن بعضها يؤدى إلى زيادة الأسموزية في الأمعاء الغليظة فيترتب عليه خروج ماء من الجسم إلى الأمعاء وبالتالي زيادة الإسهال. و ربما يحتاج الإنسان في بعض الحالات إلى العلاج في المستشفي نتيجة لشدة الحالة من مغص شديد وإسهال والآم حادة في منطقة البطن.

وهناك نسبة كبيرة من سكان العالم ممن يعانون من الاضطرابات الهضمية الناتجة عن نقص إنزيم اللاكتيز الذي تفرزه خلايا الغشاء المخاطي لجدار الأمعاء الدقيقة وتتراوح هذه النسبة ما بين 100 % من عدد السكان كما هو الحال في تايلاند وبعض الدول الأفريقية إلى حوالي 3 % في دول شمال أوروبا مثل الدانمارك والسويد. وتبلغ هذه النسبة حوالي 80 % بين شعوب الدول العربية .

توجد طرق عديدة لتشخيص ظاهرة سوء هضم اللاكتوز، ولكن من أسهل هذه الاختبارات هو ما يسمى اختبار التنفس، ويبنى على أساس تقدير هيدروجين التنفس وهو يجرى في كثير من المستشفيات ومعاهد طب الأطفال،

وكما ذكر سابقاً فإن تخمر سكر اللاكتوز في القولون يؤدى إلى تكون غازات منها غاز الهيدروجين الذي يوجد في هواء الزفير بنسبة قليلة جداً في الأشخاص العاديين ، ولكن تزداد هذه النسبة بدرجة كبيرة في حالة تخمر اللاكتوز في منطقة القولون، ووجود هذا الغاز هو الذي يسبب الانتفاخ والمغص .

المشاكل الصحية المترتبة على وجود نقص في إفراز إنزيم اللاكتيز:

1- يمتنع الشخص الذي يعانى من ظهور أعراض عدم تحمل اللاكتوز كلياً أو جزئياً عن شرب الحليب وتناول منتجاته المحتوية على سكر اللاكتوز ومعنى ذلك نقص في كمية الكالسيوم التي يتناولها الإنسان عن طريق الغذاء بما يؤدى إلى زيادة هشاشة العظام Osteoporosis. من الملاحظ أن حوالي 47 % من الأشخاص المصابون بعدم تحمل اللاكتوز يعانون أيضاً من هشاشة العظام .

2- استمرار الإسهال عند الأطفال ممكن أن يؤدى إلى حدوث جفاف للطفل Dehydration.

3- هناك علاقة بين قرحة القولون وبين نقص إنزيم اللاكتيز، حيث أوضحت بعض النتائج أن حوالي50 % ممن يعانون من قرحة القولون يعانون من نقص في إفراز إنزيم اللاكتيز.

4- نتيجة للاضطرابات التي تحدث في الأمعاء ونتيجة لحالات الإسهال الشديدة فإن معدل نمو البكتيريا الصديقة مثل الـ Bifidobacteria يتناقص بدرجة كبيرة وتزداد أعداد الميكروبات الضارة.

5- ربما تظهر حالات تسمم الدم Loxemia نتيجة للنقص الشديد في إنزيم اللاكتيز.

6- هناك بعض الأبحاث التي أوضحت أنه توجد علاقة بين الأمراض الجلدية Eczema وعدم تحمل اللاكتوز، وأن إعطاء المريض وجبه خالية من اللاكتوز أدى إلى اختفاء أعراض المرض تماماً.