وبحلاوتى مجنناهم
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
الخطوة الاخيرة

 

 رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه

اذهب الى الأسفل 
+2
كيداهم
ام تسنيم حبيبتى
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/10/2011, 5:48 am

(( رحلة في حياة علم من علماء الامة الاسلامية ))









كيفكم اعزائي اعضاء كيداهـــــــــــــــــــــــم..~
موضوع شيق متجدد دائماً بكم اعزائي








رحلة في حياة اعز البشر
رحله في حياة العشره المبشرين بالجنه
رحله في حياة الخلفاء الرشدين
رحله في حياة الصحابه الكرام رضي الله عنهم
رحلة في حياة علماء الامة الاسلاميه












رحلة تبدا وتنتهي بكم
بمعلومات عن حياة عالم من علماء الامة الاسلاميه
يتحدث عنها بطريقة مختصره وشيقه
كل عضو له الحريه في اختيار الشخصيه التى يحبها من العلماء
اختيار العضو راح يكون من اختياري انا
المده المحدده للعضو اسبوع من بعدها راح اختار عضو آخر .... وهكذا






اتمنى يكون الموضوع واضح لكم جميعاً واتمنــــــى يثبت للفائده

راح أبدأ باختي(هناء) لنبدأ بأول رحله تحملنا اليها


دمتم بحفظ الرحمن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كيداهم
الاداره

الاداره
كيداهم


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 16/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 4550
العمر العمر : 47

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/10/2011, 12:53 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  4114691164
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime11/10/2011, 6:21 am

أسعدني كثيرا مروركِـ وتعطيركـِ هذه الصفحه


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shimo@alex
المشرف العام
المشرف العام
shimo@alex


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 16/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 1212
العمر العمر : 34

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime20/10/2011, 5:24 pm

منتظرين هناء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kaidahm.ahlamontada.com/
غيظاهم
عضو ملكى
عضو ملكى
غيظاهم


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 08/07/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 703
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime23/10/2011, 11:18 pm

:utut:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 10:13 am

لعدم وجود اختنا هناء
راح أبدأ باختي(ام عمار) لنبدأ بأول رحله تحملنا اليها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 5:49 pm

انا باذن الله حختار شخصية الخليفة العادل عمر بن الخطاب
لحبى الشديد لشخصيته

قيمة عمر في التاريخ الإسلامي والعالمي:


رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  371_image002إنَّ حياة الفاروق عمر بن الخطاب t صفحة مُشْرقة
من التاريخ الإسلامي، الذي بهر كل تاريخ وفَاقَه، والذي لم يحو تاريخ الأمم مجتمعة
بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله[1].


إن حياة الفاروق عمر t إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء،
والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم
يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في
الدارَيْن..


صاحبنا اليوم -كما قيل عنه- (كان طويلاً جسيمًا أصلع صلعة عرف بها، فكان يقال
له: أصلع قريش أو الأصيلع. شديد الحمرة.. كان يَفْرَع الناسَ طولاً كأنَّه على
دابة. ويصفه ابنه عبد الله فيقول: كان أبي أبيض لا يتزوج النساء لشهوة إلا لطلب
الولد، أعسر يعمل بكلتا يديه، كأنَّه من رجال بني سَدُوس..


وإذا ذهب إنسان مع خياله مُجسدًا هذه الأوصاف، تراءت له صورة من أجمل صور الرجال
ملاحةً ومَهابةً وجلالاً).[2]


إنّ حياة عمر بن الخطاب t تُمثل نموذجًا في غاية الروعة
لمن يريد أن يصنع مَجدا، أو يحقق هدفا، أو يغيّر من حياته إلى الأحسن، ونحن إذ نعيش
دقائق من حياتنا مع هذا العملاق العظيم عمر بن الخطاب t،
يجدر بنا أن نضع نصب أعيينا هدفا واضحا نحاول تحقيقه، بل وننتقل من حياة الترف
والبذخ والتنافس في الدون؛ إلى حياة الجد والاجتهاد والتسابق إلى النعيم الدائم،
والعيش الرغد {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ
* فِي
مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:
54، 55].



التعريف بعمر بن الخطاب t :


ولا تقتصر الاستفادة من تاريخ عمر بن الخطاب t على
المسلمين فحسب، بل تعم الفائدة الجميع، مسلمين وغير مسلمين، ولا ننس أن نقول: إنه
t صاحب الفضل في ابتكار الكثير من الوسائل التي ما زال
الناس ينتفعون بها إلي اليوم فهو:


* "أول من دوّن الديوان وعمل فيه؛ والديوان سِجِل أو كتاب تُدوّن فيه وتُسجَّل
أسماء أفراد الجيش والذين يُعطَون والعمال"[3].


* "وهو أول من اتخذ الدِّرة.


* وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين"[4].


* "وهو أول من جمع القرآن في الصحف.


* وهو أول من سَنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في
شهر رمضان سنة أربع عشرة.


* وهو أول من ضرب في الخَمْر.


* وهو أول من فتح الفتوح وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله السواد والجبال، وأذربيجان، وكور البصرة وأرضها،
وكور الأهواز، وفارس، وكور الشام ما خلا أجنادين فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق رحمه الله، وفتح عمر
كور الجزيرة، والموصل، ومصر، والإسكندرية، وقتل رحمه الله وخيله على الرَّي وقد
فتحوا عامَّتها.


* وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل، ووضع الخراج على الأرضين، والجزية على
جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى
الوسط أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا، وقال: لا يعوز رجلاً منهم
درهم في شهر. فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين
ألف ألف درهم ودانقين ونصف.


* وهو أول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل
وأنزلها العرب، وخَطَّ الكوفة والبصرة خططًا للقبائل.


* وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.


* وهو أول من كتب الناس على قبائلهم، وفرض لهم الأعطية من الفيء، وقسم القسوم في
الناس، وفرض لأهل بدر وفضّلهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدمهم في
الإسلام.


* وهو أول من حمل الطعام في السفن من مصر في البحر حتى ورد البحر ثم حمل من
الجار إلى المدينة"[5].


نسب عمر بن الخطاب وقبيلته :


عمر بن الخطاب في عداد أشراف مكة نسبًا، ومن أرفعها قدرًا، وأعلاها منزلة، فهو
عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي.


"وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت
هشام بن المغيرة. فعلى هذا تكون أخت أبي جهل وعلى الأول تكون ابنة عمه، قال أبو
عمر: ومن قال ذلك -يعني بنت هشام- فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل
والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما؛ لأن هشامًا وهاشمًا ابني
المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة وهشام والد الحارث وأبي جهل.


وكان يقال لهاشم جد عمر: ذو الرمحين.


وقال ابن منده: أم عمر أخت أبي جهل. وقال أبو نعيم: هي بنت هشام أخت أبي جهل
وأبو جهل خاله"[6].


مولد عمر بن الخطاب :


وُلد t في السنة الثالثة عشرة من ميلاد الرسولبمكة، وذلك بعد عام الفيل بثلاث عشرة
سنة.


دعاء النبيلعمر بن الخطاب :


روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيقال: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ
إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَكَانَ أَحَبَّهُمَا
إِلَى اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ".


لماذا أحد هذين الرجلين؟


كان أهل الإسلام يجتمعون في بدء الإسلام سرًّا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، لقلة عددهم، وشدة قريش
عليهم.


وكان ممن عرف بالشدة على المسلمين عمر بن الخطاب، وأبو جهل، وكان لهما من
المكانة الشيء الكبير، وفي هذا الوقت كان النبييتوقع خيرًا
للإسلام والمسلمين، بإسلام أحد هذين الرجلين.


أما عمر بن الخطاب، فكان من أشراف قريش، لا من الأشراف اللاهين العابثين تفاهة
وانغماسًا في الملذات، فما كانت أيام شبابه لهوًا وعبثًا، ولكن كان يأخذ نفسه
بمعالي الأمور ويدع سفاسفها، لا يرضى الدنية، دقيق الحس فصيح اللسان، قوي العارضة،
عرفت قريش عنه كل ما يشرفها، ويجعله في الصدارة مع إخوانه فأعطته المكانة التي شرفت
بتقلده إياها, فإن عمر كان سفير قريش في الجاهلية، وما أعلى السفارة قدرًا عند ذوي
الفصاحة والحجى، وكانت قريش أفصح العرب, وبلغتها نزل القرآن فأين عمر وهو سفيرها في
هذا المجال! وهل أرضى للمرء عند نفسه، وأكرم عند قومه من أن يكون المقدم إذا حق
اللقاء، والمفوه المنشود إذا كان المجال الحجة والكلام؟![7]

ولعل أبا جهل كان يتصف بصفات عديدة من قوةِ جسدٍ، وثروة كبيرة وعائلة عريقة، غير
أن كليهما يشترك في صفة عزيزة الوجود في الرجال، في حين كان الإسلام في حاجة شديدة
إليها، ألا وهي صفة القيادة، ولعل هذا كان سر دعوة النبيأن يعز الله الإسلام بأحدهما.


"فبالرغم من الحرب العنيفة التي يشنّها الرجلان على الإسلام، لم تكن تخفى على
رسول اللهمقومات الزعامة والقيادة فيهما، وأن
وجود أحدهما في الصف الإسلامي يعني قوة هذا الصف واعتزازه، وإن وراء الكفر المتبجح
قلوبًا لم تصطدم بعدُ بتيار الإسلام القوي، ولم تصل لها القوة الكهربية الضخمة.
إنها حين تكون الصدمة قوية قد تغير الكيان كله، وهذا ما وقع في قدر الله، ودفع إلى
إسلام عظيم الرجال عمر بن الخطاب"[8].


ولا ننس هذه الرواية التي معنا وفيها أن النبيدعا لعمر خاصة بأن يسلم فيروي ابن ماجه
بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
خَاصَّةً"[9].


وقد استجاب الحق تبارك وتعالى لتلك الدعوة النبوية، فقر الإسلام بالفاروق، وعز
به أهل الإسلام.


ولقد بلغ عمر أوجًا شاهقًا في محراب الإيمان والتقوى، والتبتل والتخشع، حتى إن
رسول اللهليرى رؤيا عجيبة ورؤيا الأنبياء حق
فيقول: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ
عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهُمْ مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا
دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ
يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
"الدِّينُ".


وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه سمع النبييقول: "أَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ". وفي لفظ آخر: "أَقْوَاهُمْ فِي اللَّهِ عُمَرُ".


وقالفي مدحه للفاروق وعدم حبه للباطل:
"هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لا يُحِبُّ
الْبَاطِلَ"[10].


وقال الرسول: "لَوْ كَانَ
نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"[11].


وقال ابن حجر العسقلاني: السبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن
النبيمن الموافقات التي نزل القرآن الكريم
مطابقًا لها، ووقع له بعد النبيعدة إصابات.


الرسوليشهد بعبقرية الفاروق t :


روى البخاري بسنده عمن سمع أبا هريرة t قال
سمعت النبييقول: "بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا
أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ
اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا
مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ"[12].


معاني بعض الكلمات:


استحالت غربًا: تحولت إلى دلو كبيرة كناية عن قوة أخذه وعمله.


ضرب الناس بعطن: أي رووا ورويت إبلهم فأقامت على الماء.


من أطاعه رشد :


عن أبي قتادة قال: قال رسول الله: "إِنْ
يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَرْشَدُوا"[13].


ويدعو له بالشهادة :


ويروي ابن ماجه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِرَأَى عَلَى عُمَرَ قَمٍيصًا أَبْيَضَ،
فَقَالَ: "ثَوْبُكُ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ؟",
قَالَ: لا بَلْ غَسِيلٌ. قَالَ: "الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ
حَمِيدًا وَمِتْ شَهِيدًا"[14].


ولله در علي بن أبي طالب t ما أبلغه عندما قال: إذا ذكر
الصالحون فحيهلا بعمر.


أقوال الصحابة y في الفاروق:



1- عائشة أم المؤمنين :


عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: من رأى ابن الخطاب، علم أنه غناء
للإسلام، كان والله أحوذيًّا. نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها. وعن عروة عن عائشة
رضي الله عنها قالت: إذا ذكرتم عمر طاب المجلس.


2- سعيد بن زيد :


روى عن سعيد بن زيد أنه بكى عند موت عمر فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام،
إن موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا تُرتق إلى يوم القيامة.


3- أبو طلحة الأنصاري :


والله ما من أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم في موت عمر نقص في دينهم وفي
دنياهم.


4- حذيفة بن اليمان :


إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل مقبل لم يزل في إقبال, فلما قتل أدبر فلم يزل
في إدبار.


5- عبد الله بن سلام :


جاء عبد الله بن سلام t بعد أن صلي على عمر t فقال: إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه، فلن تسبقوني بالثناء
عليه، ثم قال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جوادًا بالحق، بخيلاً بالباطل، ترضى من
الرضا، وتسخط من السخط، لم تكن مداحًا ولا معيابًا، طيب العرف، عفيف الطرف.


6- العباس بن عبد المطلب :


كنت جارًا لعمر بن الخطاب t. فما رأيت أحدًا من الناس
كان أفضل من عمر، إن ليله صلاة، ونهاره صيام، وفي حاجات الناس.


7- علي بن الحسين :


عن ابن أبي حازم عن أبيه قال: سئل علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
ومنزلتهما من رسول اللهقال: كمنزلتهما اليوم، وهما
ضجيعاه.


آراء بعض المستشرقين في عمر الفاروق :


1- قال موير في كتابه (الخلافة): كانت البساطة والقيام بالواجب من أهم مبادئ عمر
وأظهر ما اتصفت به إدارته عدم التحيز والتقيد، وكان يقدر المسئولية حق قدرها، وكان
شعوره بالعدل قويًّا، ولم يحارب أحدًا في اختيار عماله، ومع أنه كان يحمل عصاه
ويعاقب المذنب في الحال، حتى قيل إن درة عمر أشد من سيف غيره، إلا أنه كان رقيق
القلب، وكانت له أعمال سجلت له شفقته، ومن ذلك شفقته على الأرامل والأيتام.


2- وقالت عنه دائرة المعارف البريطانية: كان عمر حاكمًا عاقلاً، بعيد النظر، وقد
أدى للإسلام خدمة عظيمة.


3- وقال الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتابه (محمد وخلفاؤه): إن حياة عمر من أولها
إلى آخرها تدل على أنه كان رجلاً ذا مواهب عقلية عظيمة، وكان شديد التمسك
بالاستقامة والعدالة، وهو الذي وضع أساس الدولة الإسلامية، ونفذ رغبات النبيوثبتها، وآزر أبا بكر بنصائحه في أثناء
خلافته القصيرة، ووضع قواعد متينة للإدارة الحازمة في جميع البلدان التي فتحها
المسلمون، وإن اليد القوية التي وضعها على أعظم قواده المحبوبين لدى الجيش في
البلاد النائية وقت انتصارهم لأكَبر دليل على كفاءته الخارقة لإدارة الحكم، وكان
ببساطة أخلاقه، واحتقاره للأبهة والترف، مقتديًا بالنبيوأبي بكر وقد سار على أَثَرهما في كتبه
وتعليماته للقواد.


الإسلام هو الذي صنع من عمر الفاروق.


الجاهلية والإسلام في حياة عمر وجها لوجه :


"إن الإنسان هذا الكائن العجيب، يعتبر سيدًا لعناصر الكون كلها، يوازن أعتاها
وأقساها فيرجحه ويربو عليه، يوم يكون شخصًا فاضلاً، ولكنه يلعن في الأرض والسماء
ويَرْجَحه الذر والهباء يوم يكون شخصًا ساقطًا"[15].


هذا ما حدث تمامًا مع عمر بن الخطاب، بون شاسع وفرق كبير بين عمر بن الخطاب قبل
إسلامه، وأبي حفص عمر بن الخطاب الفاروق t بعد إسلامه.


مشاهد من حياته في الجاهلية :


كان يدافع عن كل ما أَلِفته قريش من عادات وعبادات ونظم وكانت له طبيعة مخلصة
تجعله يتفانى في الدفاع عما يؤمن به، وبهذه الطبيعة التي جعلته يشتد في الدفاع عما
يؤمن به قاوم عمر الإسلام في اللحظات الأولى، ووقف بالمرصاد أمام الدعوة في
بدايتها، وخشي عمر أن يهز هذا الدين النظام المكي الذي استقر، والذي يجعل لمكة بين
العرب مكانة، والذي أعطى لمكة ثروتها الروحية، وثروتها المادية، فهو سبب ازدهارها
وغنى سراتها؛ ولذلك قاوم سراة مكة هذا الدين، وبطشوا بالمستضعفين من معتنقيه وكان
عمر من أشد أهل مكة بهؤلاء الضعفاء.


ولقد ظل يضرب جارية أسلمت، حتى عيت يده، ووقع السوط من يده، فتوقف إعياءً، ومر
أبو بكر فرآه يعذب الجارية فاشتراها منه وأعتقها.


وفي الجاهلية كان له صنم يعبده، فعندما جاع أكله, كيف يأكل العابد معبوده! إنه
لسفه عظيم، وضلال مبين.


ها هو الفاروق الذي كان يعبد الأصنام، ويتصدى لكل من يحاول إهانة هذه الأحجار
ويصب العذاب صبًّا في وجه من يحاول تنزيلها عن مكانتها العالية في ظنه.


ومع ذلك كان رجلاً بليغًا، حصيفًا، قويًّا، حليمًا، شريفًا، قوي الحجة، واضح
البيان، مما أهّلهُ لأن يكون سفيرًا لقريش، ومفاخرًا ومنافرًا لها مع القبائل، قال
ابن الجوزي: كانت السفارة إلى عمر بن الخطاب، إن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه
سفيرًا، أو نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرًا ومفاخرًا، ورضوا به
متحدثًا بلسانهم وهم أفصح الناس، وسفيرًا لهم وهم أعرق الناس نسبًا وأعظمهم
جاهًا.


وكما نرى في هذه المشاهد التي توحي لنا بتناقض غريب وعجيب خلّفته الجاهلية
بغبارها وركامها في هذا التاريخ العمري، نرى صفات إيجابية وأخرى سلبية، ولا شك أن
كل إنسان يحمل بين جنبيه ألوانًا متعددة من الصفات والخصائص منها ما هو إيجابي
ومنها ما هو سلبي، ولكن عمر بن الخطاب به من الإيجابيات الكثير الذي يميزه عن غيره
من الناس، وقد استفاد الإسلام بشكل واضح من أخلاق عمر الإيجابية وأكّد عليها
ونمّاها بشكل أوضح.


فمن الصفات الإيجابية البارزة لدى عمر بن الخطاب صفة القيادة، وما زال الإسلام
ينمي فيه هذه الصفة ويؤكد عليها إلى أن وصل بعمر أن يكون يومًا ما أميرًا للمؤمنين،
وخليفة للصديق أبي بكر رضي الله عنهما.


وقد استفاد الإسلام أيضًا من صفة الشدة عند عمر وجعلها بمثابة الدرع الواقي الذي
يحمي هيبة الإسلام أمام من تُسول له نفسه المساس بقدسية هذا الصرح العظيم -الإسلام-
ففي كثير من المواقف نجد الفاروق يشهر سيفه قائلاً: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا
رسول الله.


لقد عاش عمر في الجاهلية وعرف حقيقتها، وتقاليدها، وأعرافها، ودافع عنها بكل ما
يملك من قوة، ولذلك عندما دخل الإسلام عرف جماله وحقيقته وتيقن الفرق الهائل بين
الهدى والضلال، والكفر والإيمان، والحق والباطل، ولذلك قال قولته المشهورة:
"إِنَّمَا تُنْقَصُ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي
الإِسْلامِ مَنْ لا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ".


وهذه هي شهادة الفاروق عمر بن الخطاب t عن الإسلام
وعزته: "إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ".


رغم السيادة التي كان فيها عمر في جاهليته من قيامه بأمر السفارة في قريش،
ومكانته المرموقة بين القوم، إلا أنه أدرك بعد إسلامه البون الشاسع بين من يؤمن
بالله وبين من يعبد الأحجار والأوثان والأنصاب والأزلام التي لا تنفع ولا تضر.


يخاف الفاروق t من ربه خوفًا صادقًا، أدى به إلى
الاجتهاد في عبادة الله، والتفاني في مرضاته.


وهذا هو الخوف الإيجابي الذي يعين المرء على المزيد من طاعة الله، فليس الخائف
من يبكي وتسيل دموعه، ثم يمضي قدمًا في معاصي الله، وإنما الخائف هو من يترك معصية
الله خوفًا منه.


هذا هو الفاروق الذي ملك إمارة المسلمين وورث كسرى وقيصر، يخاف من الدنيا ومن
غرورها، ومن المال وفتنته يقول المِسْور بن مَخْرمة t:
أُتِي بمال فوُضع في المسجد، فخرج عمر إليه ليتصفحه وينظر إليه، ثم هملت عيناه.


فما أحرانا أن نقتدي بالفاروق في البكاء من خشية الله تعالى.


فماذا عساه أن يكون عمر لو لم يدخل في هذا الدين العظيم، كان سيمحى من ذاكرة
التاريخ والإنسانية، ويتساوى مع أساطين الكفر، وأئمة الضلالة كأبي جهل بن هشام،
وأُبي بن خلف، وأبي لهب بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة، ولكنه بإسلامه سطر اسمه في
سجل العظماء الذين نصروا الله في كل المواطن التي شهدوها, هكذا ينصر الحق تبارك
وتعالى من يقوم بنصره، ومن يتحمل المتاعب من أجل الدعوة ومن أجل الدفاع عن
الحق.


لقد تبوأ عمر بالإسلام مكانة لم ينلها إلا عدد قليل ممن اصطفاه الله في هذه
الحياة الدنيا، مكانة سامقة، تجعل الرجل علامة بارزة في جبين الإنسانية، وكفى قول
الرسول: "لَوْ كَانَ
نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"[16].


لقد كان الفاروق رجلاً ربانيًّا بحق، لا يخشى إلا اللهفكان دائمًا الحق على لسانه وقلبه،
ودائمًا الصواب معه، والرأي الراجح له، إنهم رجال رباهم الرسول عليه الصلاة والسلام
على مبادئ الإسلام العالية، فكانوا رجالاً كما وصفهم الله في كتابه العزيز: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا
تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].


لماذا لم يتول الخلافة قبل أبي بكر مع قوته وعلمه؟



الصفات والفضائل والأعمال التي انفرد بها أبو بكر الصديق t:


وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ
اللَّهِجَاءَ بَلالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ،
فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ
بِالنَّاسِ"[17].


فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ
مَتَّى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. قَالَ:
"إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا
بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا
كُنْتُ لأُصِيبُ مِنْكِ خَيْرًا.


تَقُولُ عَائِشَةُ: لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى مَرَاجَعَتِهِ
إِلا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً
قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا.


فأرسل النبيإلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِيَأْمُرُكَ أَنْ
تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا: يَا عُمَرُ
صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو
بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّوَجَدَ فِي
نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ
وَالآخَرُ عَلِيٌّ، وَرِجْلاهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ
إِلَيْهِ النَّبِيُّبِأَنْ لا
يَتَأَخَّرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ". فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَلَسَ عَلَى يَسَارِ
أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِيُصَلِّي قَاعِدًا
يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ النَّبِيِّوَالنَّاسُ
يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ.


قال ابن حبان رحمه الله: هذا الخبر فيه دليل على أن الخليفة بعد الرسولهو أبو بكر الصديق t.


ويدل هذا الخبر على فضل أبي بكر على جميع صحابة رسول الله.


ومن مناقب الصديق t إعلام الرسولللمسلمين أنهم يأبون عقد الخلافة لغير
أبي بكر:



فتروي عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِقَالَ فِي مَرَضِهِ: "ادْعِ لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاك، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى
اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ".


ففي الحديث إخبار من رسول اللهعلى أن المسلمين لا يرضون
بغير أبي بكر خليفة لهم.


ومن الأحاديث التي تدل على حب الرسوللأبي بكر هذا
الحديث يرويه لنا عمرو بن العاص t فيقول: "بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِعَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النِّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ
الرَّسُولُ: "عَائِشَةُ". قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ". فَعَدَّ رِجَالاً، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ
يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.


"أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ عَائِشَةُ وَمِنَ الرِّجَالِ
أَبُوهَا"[18].


وفي هذا الحديث نرى مكانة أبي بكر وابنته عائشة رضي الله عنهما، وبيان فضل عمر
t إذ تأتي منزلته بعد منزلة الصديق y جميعًا.


وأي منزلة تلك التي وصل إليها أبو بكر الصديق وعندها تتضاءل كل منازل الدنيا،
فإن من أحبه النبيأحبه الله تعالى ومن أحبه الله تعالى
فقد فاز بالدنيا والآخرة، وذلك هو الفوز المبين.


ومن فضائل الصديق t:


دعوة الرسولللأمة أن تقتدي بالصديق، وإن شاركه عمر
بن الخطاب إلا أنه ذكر بعده، فقد ذُكر أبو بكر أولاً لفضله وعلمه.


يروي حذيفة بن اليمان t أن رسول اللهقال: "اقْتَدُوا
بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".


وفي رواية أخرى: "إِنِّي لا أَدْرِي كَمْ قَدْرُ بَقَائِي
فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ".


وفيه ذكر لفضائل عمر ولكن بعد الصديق t.


وأبو بكر أفضل من عمر رضي الله عنهما بشهادة النبيوبشهادة عمر نفسه وبما نرى من مواقف
كثيرة تؤيد هذا الأمر.


وما روى عن النبيأنه قال: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي وُزِنْتُ بِأُمَّتِي فَرَجَحْتُ،
ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَرَجَحَ".


وفي هذا بيان واضح في فضله على عمر. وقال عمر t: "مَا
سَابَقْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلاَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ وَلَوَدِدْتُ
أَنِّي شَعَرَةٌ فِي صَدْرِ أَبِي بَكْرٍ"[19].


مكانة عمر بن الخطاب في الآخرة :


روى البخاري بسنده أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِقَالَ: "بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى
جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا". قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ[20].




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:01 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  376_image002إن القوة
الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلي ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة
القوة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها: قوة
البدن، ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية، والقوة الإيمانية.



وصاحبُ رسول اللهعمر بن الخطاب t آتاه اللهكل هذه الأنواع من القوة، وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء من خلقه.



وقد أشار النبيإلى أن مدار القوة ليس هو البدن فحسب
وإنما يدخل معه أيضا القوة النفسية الناتجة عن تحمل الغير وكظم الغيظ. يقول
النبي: "لَيْسَ
الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ
الْغَضَبِ"[1].



أولاً : القوة البدنية :


لا شك أن البيئة التي تربى فيها عمر بن الخطاب بما فيها من خشونة في العيش، وضيق
في ذات اليد لها أثر كبير في تكوينه الجسدي، فليس من ينشأ في النعيم والظل والحرير
كمن ينشأ تحت لظى الشمس الحارقة في جو مكة، وفي بيت الخطاب بن نفيل.



ولد عمر t بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي رحاب مكة
وجَوّها القائظ، وريحها اللافحة، وصحرائها القاحلة، وأبوه الخطاب بن نفيل العدوي،
كان شديد البأس، قوي الشكيمة، مما أورثه بعضا من صفات القوة.



ووصف الفاروقَ من رآه t بأنه رجل آدم، أعسر، أيسر يعمل
بكلتا يديه، أصلع، أضخم، مفرط الطول، يفوق الناس طولاً، إذا كان فيهم بدا كأنه راكب
على دابة والناس يمشون، جسيم، كأنه من رجال سدوس، كبير الشارب، إذا مشى أسرع، وإذا
قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، يصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وبلغ من فروسيته وشدة
بنيانه أنه كان يأخذ بأذن الفرس بيد وبأذنه بيده الأخرى، ثم يثب على الفرس. فهو قوي
حتى في مظهره الخارجي.



ثانيًا: القوة النفسية :




الصراحة
دليل القوة النفسية :



بقراءة سيرة الفاروق t يظهر لنا حبه الشديد، وعاطفته
الفياضة للرسول، فحين يسمع رسول اللهيقول: "لا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكَونُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ".
فَيَقُولُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِي
وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ إَلا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فقال
الرَّسُولُ: "لا يَا
عُمَرُ". فرجع الفاروق إلى نفسه وحبه للنبيفقال: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ مَالِي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى
نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فَقَالَ الرَّسُولُ: "الآنَ يَا
عُمَرُ". أي الآن اكتمل إيمانك يا عمر، أعلن عمر t
صراحةً في بادئ الأمر أن حبه للنبيأكثر من أي شيء إلا نفسه
وهذه الصراحة دليل على قوته النفسية.



والشجاعة أيضًا دليل على القوة النفسية :




انظروا إلى شجاعة عمر t :


عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب t لم تعلم قريش
بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أفشى للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه
وأنا أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل إني قد أسلمت. فقال:
فوالله ما رد عليه كلمة، حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش فقال: يا
معشر قريش إن ابن الخطاب قد صبأ. فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت
رسوله. فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رءوسهم، حتى فتر عمر، وجلس فقال: افعلوا
ما بدا لكم، فو الله لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم. فبينا
هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حلة حرير، وقميص موشى، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن
الخطاب قد صبأ. قال: فمه، امرؤ اختار دينًا لنفسه، أتظنون أن بني عدي تسلم إليكم
صاحبهم؟ قال: فكأنما كانوا ثوبًا انكمش عنه. فقلت له بعدُ بالمدينة: يا أبت، من
الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل.



هذا هو الفاروق عمر بن الخطاب يعلن إسلامه علانية أمام أئمة الكفر وأساطين
الضلالة دون خوف أو جبن من العقاب والإيذاء الذي سوف يناله من كفرهم وعنادهم، لقد
سطع نور الإسلام في قلب عمر وأراد لهذا الدين أن يسود، وأن يكون لصاحبه حق الإعلان
عن ولائه لهذا الدين، وأن تكفل له حقوق إبداء الرأي وممارسة شعائر دينه.



وقصة إسلام عمر تدل على شجاعته وقوته، فهو يريد قتل خاتم الأنبياء، ويتوشح سيفه
عند الهاجرة، ولكن إرادة اللهتجعل نعيم بن عبد الله
يقابله، ويخبره عن إسلام أخته وزوجها، فيتحول إلى بيتها، ويعلو على زوجها، ويشج وجه
أخته، وتسيل الدماء. فيرق قلب عمر، وينطق بالشهادة.



"قال عبد الله بن مسعود: كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ
هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا
نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا
أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصَلَّيْنَا"[2].



ثالثًا: القوة الإيمانية :


"العقيدة المكينة، معين لا ينضب للنشاط الموصول، والحماسة المدخورة، واحتمال
الصعاب، ومواجهة الأخطار، بل هي سائق حثيث يدفع إلى لقاء الموت دون تهيب، إن لم يكن
لقاء محب مشتاق، تلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن، إنه يضفي على صاحبه قوة
تنطبع في سلوكه كله، فإذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا في عمله،
وإذا اتجه كان واضحا في اتجاهه، وما دام مطمئنًا إلى الفكرة التي تملأ عقله، وإلى
العاطفة التي تغمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلاً إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف
العاتية عن موقفه"[3].



وعمر الذي كان بين الصحابة متفردًا بالصرامة والصراحة والقوة في الحق، والشدة في
دين الله. هو نفسه عمر الأواه الأواب الخاشع الضارع المخبت المنيب، الذي ذلت له
نفسه في الله، بل ذل له شيطانه الذي لم يجرؤ أن يسير في طريق يسلكه عمر وإذا رآه
ولى مدبرًا، وما أفصح وأدق قول رسول اللهوهو يرى عمر داخلاً
عليه ذات يوم فيقول: "إِيِهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ, وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلا سَلَكَ
فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ. إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ
قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ". ولت الشياطين الدبر فَرَقًا وخَوْفًا من هذا
المؤمن المُؤَيد بنصرة الله، ويئست منه أن تصرفه عن عزائم الأمور، أو الوسوسة له
بالشر، فليس هذا من شأنها معه.

ويكفي المرء في معرفة قدر الفاروق عمر t أن يتعرف على
وصف الرسولللفاروق بالشدة في دينه والقوة في أمر
الله تعالى، يروي أنس بن مالك عن الرسول: "أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ".



وقال صهيب t: لما أسلم عمر بن الخطاب ظهر الإسلام ودُعي
إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، واتنصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه.



إنه عمر وما أدراك ما عمر



أَعْنِي بِهِ الْفَارُوقَ فَرَّقَ عُنْوَةً *** بِالسَّيْفِ بَيْنِ الْكُفْرِ
وَالإِيمَانِ



هُوَ أَظْهَرَ الإِسْلامَ بَعْدَ خَفَائِهِ *** وَمَحَا الظَّلامَ وَبَاحَ
بِالْكِتْمَانِ



هجرة الفاروق عمر t :


لما أسلم عمر بن الخطاب t أَبَى إلا أن يكون إسلامه
علانية، وإيمانه مشتهرًا يتسامع به الناس، كذا لما أراد الهجرة أبى إلا أن تكون
علانية.



يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي علي بن أبي طالب t: ما علمت أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن
الخطاب.



فإنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، واختصر
عنزته، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أتى
المقام، فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة، واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا
يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجه
فليلقني وراء هذا الوادي.



قال ابن الجوزي: قويت شدة عمر في الدين فصلبت عزائمه، فلما حانت الهجرة، تسللوا
تسلل القطا، واختال عمر في مشيته، فقال: عند خروجه ها أنا أخرج إلى الهجرة، فمن
أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.



ولنا وقفة مع هذا المشهد العمري، إذ كيف يهاجر عمر بن الخطاب جهرًا، ويهاجر
الرسولسرًّا.



إن عمر لا يمثل القدوة للمسلمين؛ وإنما القدوة الأولى هو الرسول، وفي المسلمين من هو ضعيف ومن هو قوي،
وعدم اعتراض النبيعلى خروج عمر جهرًا فيه دلالة واضحة
على أن من استطاع من المسلمين أن يخرج في قوة وجهر حال كونه قادرًا على ذلك فليفعل،
ومن استطاع من المسلمين الأقوياء أن يظهر معالم الإسلام في مجتمع تسود فيه الجاهلية
فليفعل وفي عمر قدوة له، ولكن ليس على الضعفاء حرج.



هيبة عمر t :


اتصف الفاروق t بالهيبة لما كان عليه من قوة الدين،
والحرص على أمر الله، والوقوف عند حدوده.



ومن هيبة الفاروق t أن هناك جارية نذرت أن تضرب بين يدي
النبيإن رده سالمًا، فلما أذن لها رسول
اللهفي الوفاء بما نذرت فجعلت تضرب، فدخل
أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت
الدف تحت استها، وقعدت عليه هيبة له t.



ومن هيبة الفاروق، أنه كان للإسلام حصنًا فقمع الكافرين وكبت المنافقين وعلت في
خلافته راية الموحدين.



رجل لا تأخذه في الله لومة لائم :


يروي طارق بن شهاب رحمه الله أن حذيفة t خطبهم فقال:
والله ما أعرف رجلاً لا تأخذه في الله لومة لائم غير هذا الرجل: عمر بن الخطاب فكيف
أنتم لو قد فارقكم؟! ألا يدعونا ذلك إلى التأسي بالفاروق t
بألا تأخذنا في الله لومة لائم.



ألا نقتدي بعمر فنقدم مرضاة الله تعالى على الخلق أجمعين.



هذا ما نرجوه، وهذا ما نتمناه.



الشيطان يفر من عمر t :


من مناقب عمر بن الخطاب التي عُرف بها بين أصحاب النبيأن الشيطان كان يفر منه، ويسلك طريقًا
غير طريقه.



يقول سعد بن أبي وقاص t: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى النَّبِيِّوَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ
قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ، وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمْ عَلَى
صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِفَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِيَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ
سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَقَالَ الرَّسُولُ: "عَجِبْتُ مِنْ
هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ بَادَرْنَ
الْحِجَابَ". فَقَال عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: أَيْ عَدُّوَاتِ أَنْفُسِهِنَّ
أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ
أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ
النَّبِيُّ: "إِيِهِ يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ
سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ".



أضحك الله سنك: لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل لازمه، وهو السرور أو نفي ضد
لازمه وهو الحزن.



إيه: بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثنا.



وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره، أن الشيطان متى رأى عمر سالكًا فجًّا
هرب هيبة من عمر، وفارق ذلك الفج، وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه
شيئًا.



قال رسول الله: "إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ".



وعن تلك المنقبة التي ثبتت لعمر بن الخطاب t يحدثنا ابن
مسعود فيقول: خرج رجل من أصحاب النبي، فلقى الشيطان فاشتجرا
فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب رسول الله، فقال الشيطان:
أرسلني أحدثك عجيبًا يعجبك. قال: فأرسله. قال: فحدثني. قال: لا. قال: فاشتجرا
الثانية، واصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد، قال: أرسلني
فلأحدثك حديثاًَ يعجبك. فأرسله. فقال: حدثني. فقال: لا. فاشتجرا الثالثة. فصرعه
الذي من أصحاب محمد، ثم جلس على صدره، وأخذ بإبهامه
يلوكها، فقال: أرسلني. قال: لا أرسلك حتى تحدثني. قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها
آية تقرأ في وسط الشياطين إلا تفرقوا ولا تقرأ في بيت، فيدخل ذلك البيت شيطان.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فمن ذلك الرجل. قال: فمن ترونه إلا عمر بن الخطاب.



ومن المواقف التي تتجلى فيها قوة عمر وفضل إيمانه مما جعل الشياطين تخشاه ما
رواه الترمذي قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِجَالِسًا،
فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِفَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ
وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ
فَانْظُرِي". فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ
اللَّهِفَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا
بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: "أَمَا
شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ". قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لا. لأَنْظُرَ
مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ: فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا.
قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا
مِنْ عُمَرَ". قَالَتْ: فَرَجَعْتُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ[4].



ويروي بريدة: يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِفِي بَعْضِ
مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ
أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ: "إِنْ كُنْتِ
نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلا فَلا". فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ
عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ
اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ
تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ
تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا
عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ".



وقال طارق بن شهاب رحمه الله: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك.
ويروي علينا قول ابن مسعود t: إني لأحسب الشيطان يفرق من
عمر أن يحدث حديثًا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه.



فالحق يدور مع الفاروق حيث دار، والصدق يكون حيث كان، فالسكينة تنطق على لسانه،
والحق وضع في قلبه، وهو المحدَّث الذي أُلقي الخير في روعه، وكثرت في آيات القرآن
الكريم موافقاته.

وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله تعالى هو صاحب الفضل العظيم.



يقول البراء بن عازب t: كَانَ أَوَّلَ مَنْ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ، فَكَانُوا يُقْرِئُونَ النَّاسَ، قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ بِلالٌ وَسَعْدٌ
وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ
فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: حَتَّى
جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا قَدِمَ حَتَّى
قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.



وهكذا ظل عمر بن الخطاب t حريصًا على إعزاز الإسلام في
أفعاله، ويعمل جاهدًا على إعانة من أراد الهجرة حتى خرج ومعه هذا الوفد الكبير من
أقاربه وحلفائه.



فما أروع عمر بن الخطاب في إسلامه، وما أروعه في هجرته t.



"ولما هاجر عمر t أصبح وزير صدق للنبيوآخى بينه وبين عويمر بن ساعدة، وقيل:
بينه وبين عتبان بن مالك، وقيل: بينه وبين معاذ بن عفراء، وقد علق ابن عبد الهادي على ذلك وقال: لا تناقض
بين الأحاديث ويكون رسول اللهقد آخى بينه وبين كل أولئك
في أوقات متعددة".



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:10 pm

ادارته


رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  378_image002إن الإدارة الصحيحة والقويمة لأي عمل مهما كان صغيرًا أو
كبيرًا تحتاج إلى حكمة؛ لأن الإدارة تتعامل مع بشر وليس مع مجموعة من التروس
والآلات، فرب كلمة صغيرة فعلت فعل السحر في نفس سامعها فدفعته إلى الأمام، وأيضًا
رب كلمة فعلت في نفس سامعها فعل السحر فألقت به إلى الهاوية. والإدارة "فن قيادة
الرجال" والرجال لهم مشارب شتى، ولا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة أن يقودهم إلا
بالحكمة، والحكمة أن تضع كل شيء في مكانه، الغضب والحزم والشدة في المواضع التي
تحتاج إلى ذلك، واللين والتسامح والرحمة أيضًا في المواقف التي تتطلب ذلك[1].



وقد كان عمر t حكيمًا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان،
مما جعله مؤهلاً لحمل هذه الأمانة العظيمة؛ وهي إدارة الدولة الإسلامية في هذا
الوقت من التاريخ الإسلامي العظيم.



"وفي عصر الفاروق t شهد النظام الإداري نقلة حضارية
كبرى تمثلت في مدى اهتمام الخليفة وعنايته الفائقة بالنظم الإدارية، ففي عهده رسخت
التقاليد الإدارية الإسلامية. يقول الطبري: في هذه السنة (15هـ 636م) فرض عمر للمسلمين الفروض
ودَوَّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة.



وهذا يؤكد مرونة العقلية الإسلامية وقبولها لتطوير نفسها، وتمثل هذا في اهتمام
الفاروق t بتنظيم الدولة الإسلامية إداريًّا، وخاصة أن
الفتوحات الإسلامية قد أدت إلى امتداد رقعة الدولة الإسلامية في عهده، ففصل السلطة
التنفيذية عن السلطة التشريعية، وأكد استقلال القضاء، كما اهتم بأمر الأمصار
والأقاليم، ووطد العلاقة بين العاصمة المركزية والولاة والعمال في أجزاء الدولة
الإسلامية.



وكان عمر t شديدًا مع عمال الدولة الإسلامية، كان
يوصيهم بأهالي الأقاليم خيرًا، فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب t خطب الناس يوم الجمعة فقال: اللهم إني أشهدك على أمراء
الأمصار، إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقسموا فيهم فيئهم،
وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي. وقد حفظ لنا يحيى بن آدم (ثقة حافظ فاضل
من كبار التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين[2]) وصية الفاروق t للخليفة من بعده، تلك الوصية التي تلخص حرص إمام المسلمين على
صالح الرعية، يقول:

"أوصي الخليفة من بعدي بأهل الأمصار خيرًا فإنهم حياة المال، وغيظ العدو، وردء
المسلمين، وأن يقسم بينهم فيئهم بالعدل، وألا يحمل من عندهم فضل إلا بطيب
أنفسهم".



وكان t إذا استعمل العمال على الأقاليم خرج معهم يشيعهم
ويوصيهم فيقول: إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم
عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل، وإني لم أسلطكم على
أبشارهم ولا أشعارهم، ولا تجلدوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تغفلوا
عنها فتحرموها، جردوا القرآن، وأقلوا من رواية محمدوأنا شريككم.



وكان يقتص من عماله، فإذا شكا إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه فإن صح عليه
أمر يجب أَخْذه به أَخَذه به.



وروى الطبري أن الفاروق t خطب الناس فقال: أيها الناس،
إني والله ما أرسل عمالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم
إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر
بيده لأقتصن منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من
أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر
بيده إذًا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول اللهيقص من نفسه.



وكان t إذا استعمل عاملاً كتب له عهدًا وأشهد عليه
رهطًا من المهاجرين والأنصار، واشترط عليه ألا يركب برذوانًا، ولا يأكل نقيًا، ولا
يلبس رقيقًا، ولا يتخذ بابًا دون حاجات الناس.



وعمر بن الخطاب t هو أول من وضع التأريخ وكتبه وذلك في
العام السادس عشر للهجرة، كما أنه أول من وضع تقليدًا بتأريخ الكتب والرسائل وختم
بالطين. وهو أول من جمع الناس على إمام لصلاة التراويح في شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان، وكان في العام الرابع عشر،
وكان أول من حمل الدرة وضرب بها تأديبًا، ومن ذلك ما فعله مع سعد بن أبي وقاص t، وكان الفاروق يوزع
مالاً آتاه بين المسلمين، فرأى سعد يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرة
وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لا
يهابك.



وشهد عصره بالإضافة إلى ذلك تنظيمات إدارية متنوعة فوضع أساس بيت المال ونظم
أموره، وكان يعس ليلاً، ويرتاد منازل المسلمين، ويتفقد أحوالهم بيديه، وكان يراقب
المدينة ويحرسها من اللصوص والسراق، كما كان يراقب أسواق المدينة ويقضي بين الناس
حيث أدركه الخصوم، وهو في هذا كله يتأسى بسنة رسول الله.



فقد كان يقول: القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، والأمانة ألا تخالف
سريرة علانية، واتقوا اللهفإنما التقوى بالتوقي ومن يتق الله
يقه[3].



وهكذا نرى هذه العقلية الإدارية الفذة والتي تعلمت الإدارة عمليًّا من رسول
الله، وليس سيدنا عمر t ممن يحبون الكلام وكثرته، بل إن شغلهم الشاغل إنما هو العمل
النافع والتطبيق العملي واستثمار كل الطاقات البشرية الموجودة لديه في خدمة الإسلام
وفي خدمة البشرية أيضًا.



أقاليم الدولة الإسلامية في عهد عمر t :


يعتبر تقسيم الولايات في عهد الفاروق امتدادًا في بعض نواحيه لما كانت عليه في
عهد أبي بكر الصديق t إقليميًّا مع وجود بعض التغيرات في
المناصب القيادية لهذه الولايات في كثير من الأحيان.



1- مكة المكرمة.



2- المدينة المنورة.



3- الطائف.



4- اليمن.



5- البحرين.



6- ولايات الشام.



7- ولايات العراق وفارس (البصرة- الكوفة- المدائن – أذربيجان)[4].



الدواوين في عهد عمر t :


نشأت الدواوين في عهد الفاروق t، وكان ذلك نتيجة لاتساع
الدولة الإسلامية، واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب بالأنظمة الفارسية والبيزنطية
في الأقاليم والتعرف على حضارتها، فانتقوا من بين ذالك ما وجدوه ملائما للاقتباس،
كما أبقوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد.



وقد اخْتُلف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحدده الطبري بالعام الخامس عشر للهجرة،
بينما يذكره الماوردي في الأحكام السلطانية في العام العشرين[5].



ومن الدواوين التي أوجدها عمر:



1- ديوان العطاء :


لما أراد الفاروق وضع الديوان فقد وضع أسسًا للمفاضلة بين المسلمين في العطاء
انطلاقًا من أن من قاتل وهاجر مع رسول الله، ليس كمن لم يقاتل
أو تأخر، وفرض لأهل السوابق والقدم في الإسلام[6].



ويذكر ابن سلام أن عمر حين أراد تدوين الدواوين قال: بمن نبدأ؟ قالوا: ابدأ
بنفسك. قال: لا، إن رسول اللهإمامنا، فبرهطه نبدأ ثم
الأقرب فالأقرب، وكان هذا بعد أن فتح الله على المسلمين العراق والشام وجنى خراجها
فقال: إني رأيت أن أفرض العطاء لأهله الذين افتتحوه. (كتاب الأموال)



أما الأسس التي وضعها الفاروق t لترتيب أسماء الناس في
الديوان فهي:



1- درجة النسب المتصل برسول الله.



2- السبق في الإسلام.



3- جهاده الأعداء، ومن كان من أهل بدر يتصدرون قائمة العطاء، ويليهم في المكانة
من شهد المواقع إلى الحديبية، ثم من الحديبية إلى القضاء على المرتدين.



4- جعل أهل الفترة الواحدة طبقة واحدة في العطاء، بمعنى أن من شهد المواقع إلى
الحديبية مثلاً طبقة واحدة.



5- فضل أهل الحرب على قدر براعتهم في القتال.



6- البعد والقرب عن أرض العدو وفضل من قربت داره عن من بعدت داره عن العدو.



2- ديوان الجيش :


ارتبطت نشأة ديوان الجيش بتدوين الدواوين، أو تسجيل أسماء الجنود وذلك لمواجهة
الزيادة التي طرأت على عدد الجنود، وضرورة إحصائهم، وترتيب أمورهم، وتوفير
أعطياتهم، ومن أجل ذلك كان لا بد من تخصيص ديوان للجيش.



وهناك شروط لهذا الديوان:



أ- الوصف:



1- البلوغ. 2- الحرية. 3- الإسلام.



4- السلامة من الآفات. 5- الإقدام على الحروب ومعرفة القتال.



ب- النسب والسبق في الإسلام:



يقوم بترتيب الأسماء في هذا الديوان على حسب القرب من رسول اللهثم ترتيبهم الواحد بعد الواحد وفقًا
لسبقهم في الإسلام، وإن تكافئوا فبالدين، فإن تكافئوا فبالسن فإن تقاربوا فبالشجاعة
في الحروب.



جـ- الكفاية:



وهو تقدير العطاء بالكفاية، والكفاية كما يقول الماوردي لها أسس:



1- عدد من يعول من الذراري.



2- عدد ما يرتبطه من الخيل والظهر.



3- الموضع الذي يحله من الغلاء والرخص.



3- ديوان الاستيفاء :


الأصل في نشأة هذا الديوان هو حاجة الدولة إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة،
وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها، وقد وضحت أهمية هذا الديوان في
الدولة الإسلامية، حين تعددت مصادر الدخل وزادت ثروة الدولة وتشعبت وجوه الإنفاق[7].



كاتب الديوان :


وكاتب الديوان هو صاحب زمامه، يجب أن تتوفر فيه العدالة والكفاية وأما اختصاصاته
فهي:



1- حفظ القوانين



2- استيفاء الحقوق.



3- إثبات الرفوع.



4- إخراج الأحوال؛ ويعني استشهاد صاحب الديوان على ما يثبت فيه من قوانين
وحقوق.



5- تصفح الظلامات[8].



فقه عمر الإداري :


من دلائل فقهه الإداري أنه كان يستفيد من كل الطاقات ويؤهلها لخدمة الإسلام:



فعن أسق قال: كنت عبدًا نصرانيًّا لعمر، فقال: أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور
المسلمين؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم، فأعتقني لما حضرته
الوفاة, وقال: اذهب حيث شئت.



من فقهه الإداري t تطبيق مبدأ الشورى :


كان عمر t يستشير الرجال، وكان أيضًا يستشير النساء،
فقد كان يقدم الشفاء بنت عبد الله العدوية في الرأي، فماذا بقي بعد ذلك للمرأة
حتى تبحث عنه في غير الإسلام، إذا كان أمير المؤمنين يستشيرها في أمور الدولة،
ويرضى عن رأيها، وكان t يعتبر نفسه أبا العيال فيمشي إلى
المغيبات اللواتي غاب أزواجهن، فيقف على أبوابهن ويقول: ألكن حاجة؟ وأيتكن تريد أن
تشتري شيئًا؟ فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن معه بجواريهن، فيدخل
السوق، ووراءه من جواري النساء وغلمانهن ما لا يحصى، فيشتري لهن حوائجهن ومن ليس
عندها شيء اشترى لها من عنده، وإذا قدم يقول: أزواجكن في سبيل الله، وأنتن في بلاد
رسول الله، إن كان عندكن من يقرأ، وإلا فاقربن
من الأبواب حتى أقرأ لَكُنَّ.. ويقول لهن: هذه دواة وقرطاس فادنين من الأبواب، حتى
أكتب لَكُنّ، ويمر إلى المغيبات، فيأخذ كتبهن فيبعث بها إلى أزواجهن.



من سمات وخصائص الجانب الإداري عند سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان دقيق المتابعة
للولاة، والمتابعة هي عنصر هام جدًّا في نجاح أي خطة، وهكذا كان عمر t.



نماذج للمتابعة الجيدة :


"عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب رسول اللهقال ما زلت أسمع حديث عمر بن الخطاب
أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرًا إذ مر بامرأة من نساء العرب
مغلقة عليها بابها وهي تقول:



تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ تَسْرِي كَوَاكِبُهُ *** وَأَرَّقَنِي أَنْ لا
ضَجِيعٌ أُلاعِبُهُ



أُلاعِبُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا كَأَنَّمَا *** بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ
اللَّيْلِ حَاجِبُهُ



يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ *** لَطِيفُ الْحَشَا لا
تَحْتَوِيهِ أَقَارِبُهُ



فَواللَّهِ لَوْلا اللَّهُ لا شَيْءَ غَيْرَهَ *** لَنُفِضَ مِنْ هَذَا
السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ



وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلاً *** بَأَنْفُسِنَا لا يُفَتِرُّ
الدَّهْـرُ كَاتِبُهُ



ثم تنفست الصعداء وقالت: لهان على عمر بن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني. وعمر
واقف يستمع قولها، فقال لها: يرحمك الله، يرحمك الله، ثم وجه إليها بكسوة، ونفقة،
وكتب في أن يقدم عليها زوجها[9].



إذن فهو t يسن القوانين بعد التعايش الحقيقي مع
المجتمع، ومعرفة مشاكله وهمومه من خلال التعامل مع الواقع مباشرة، وليس عن طريق
التقارير التي ترد إليه فحسب، ولو كان فعل ذلك ما لامه أحد لحسن اختياره للولاة،
ومع ذلك فهو لم يعتمد على ما يرد إليه من تقارير فحسب، بل كان كما نرى يتابع الأمور
بنفسه.



عمر t يتابع الأمور بنفسه :


لم يكن عمر يكتفي بأن يحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد
أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره
لهم: خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار.



وقال: أيما عامل لي ظلم أحدًا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته. وقال يومًا
لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما
عليَّ؟ فقالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟ وقد سار
t بحزم في رقابته الإدارية لعماله وتابعهم بدقة، وكانت
طريقة عمر في الإدارة إطلاق الحرية للعامل في الشئون المحلية، وتقييده في المسائل
العامة، ومراقبته في سلوكه وتصرفاته، وكان له جهاز سرى مربوط به لمراقبة أحوال
الولاة والرعية، وقد بينت لنا المصادر التاريخية أنه يشبه اليوم (المخابرات) ويمكن
هنا أن نقول: إن المخابرات في عهد عمر بن الخطاب كان هدفها الأول والأخير توفير
الأمن والحماية للدولة الإسلامية، وليس التجسس على عورات الناس وبث الرعب في نفوسهم
كما هو الحاصل في كثير من الأنظمة التي تحكم الناس اليوم، ومن أهدافها أيضًا
المتابعة الدقيقة للولاة, فقد كان علمه بمن نأى عنه من عماله كمن بات معه في مهاد
واحد، وعلى وساد واحد، فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو
أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه، فكانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده في كل ممس
ومصبح، وأنت ترى ذلك في كتبه إلى عماله حتى كان العامل منهم ليتهم أقرب الناس إليه
وأخصهم، وكانت وسائل عمر في متابعته لعماله متعددة ومنها:



طلبه من الولاة دخول المدينة نهارًا :


كان t يطلب من ولاته دخول المدينة نهارًا، ولا يدخلوها
بالليل حتى يظهر ما يكون قد جاءوا به من أموال ومغانم فيسهل السؤال والحساب.



طلب الوفود من الولاة :


كان عمر يطلب من الولاة أن يرسلوا وفدًا من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، عن
الخراج المفروض عليهم ليـتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم فكان يخرج إليه مع
خراج الكوفة عشرة من أهلها، ومع خراج البصرة مثلهم، فإذا حضروا أمامه شهدوا بالله
أنه مال طيب ما فيه ظلم مسلم ولا معاهد وكان هذا الإجراء كفيلاً بمنع الولاة من ظلم
الناس إذ لو حدث هذا لرفعه هؤلاء الموفدون إلى أمير المؤمنين وأخبروه به، كما أن
عمر في الغالب كان يقوم بمناقشة هؤلاء الموفدين وسؤالهم عن بلادهم، وعن ولاتهم
وسلوكهم معهم.



رسائل البريد :


كان عمر t يرسل البريد إلى الولاة في الأمصار فقد كان
يأمر عامل البريد العودة إلى المدينة أن ينادى في الناس من الذي يريد إرسال رسالة
إلى أمير المؤمنين؟ حتى يحملها إليه دون تدخل من والى البلد، وكان صاحب البريد نفسه
لا يعلم شيئًا من هذه الرسائل، وبالتالي يكون المجال مفتوحًا أمام الناس لرفع أي
شكوى أو مظلمة إلى عمر نفسه دون أن يعلم الوالي أو رجاله بذلك، وحينما يصل حامل
الرسائل إلى عمر ينثر ما معه من صحف، ويقرأها عمر ويرى ما فيها.



المفتش محمد بن مسلمة :


وكان الفاروق t يستعين بمحمد بن مسلمة الأنصاري في
متابعة الولاة، ومحاسبتهم، والتأكد من الشكاوي التي تأتي ضدهم، فكان موقع محمد بن
مسلمة كالمفتش العام في دولة الخلافة.



موسم الحج :


كان موسم الحج فرصة لعمر ليستقي أخبار رعيته وولاته، فجعله موسمًا للمراجعة
والمحاسبة، واستطلاع آراء الرعية في ولاتهم، فيجتمع فيه أصحاب الشكايات والمظالم،
والرقباء الذي كان عمر يبثهم في أرجاء دولته لمراقبة العمال والولاة، ويأتي العمال
أنفسهم لتقديم كشف الحساب عن أعمالهم، فكان موسم الحج (جمعية عمومية) كأرقى ما تكون
الجمعيات العمومية في عصر من العصور.



جولة تفتيشية حول الأقاليم :


كان تفكير عمر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصيًّا لمراقبة العمال، لتفقد
أحوال الرعية، والاطمئنان على أحوال الدولة المترامية الأطراف، وقال: لئن عشت إن
شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم
فلا يرفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم
أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير
إلى البصرة فأقيم بها شهرين، ثم والله لنعم الحول هذا.

ولم يكتف الفاروق بالمراقبة عن طريق هذه الزيارات، بل عمد إلى طريقة أخرى، وهي
إرسال كميات من الأموال إلى الولاة، وإرسال من يراقبهم حتى يعرف كيف تصرفوا
فيها.



سياسة عمر مع الولاة :




سياسة عمر في عزل الولاة :




سعد بن أبي وقاص :


اجتمع نفر من أهل الكوفة بزعامة الجراح بن سنان الأسدي فشكوا أميرهم سعد بن أبي
وقاص t إلى أمير المؤمنين عمر، وذلك في حال اجتماع المجوس
في نهاوند لغزو المسلمين، فلم يشغلهم ما داهم المسلمين في ذلك، ولقد كان سعد عادلاً
رحيمًا بالرعية، قويًّا حازمًا على أهل الباطل والشقاق، عطوفًا على أهل الحق
والطاعة، ومع ذلك شكاه هؤلاء القوم ممن لا يطيقون حكم الحق، ويريدون أن يحققوا
شيئًا من أهوائهم، وقد وقتوا لشكواهم وقتًا رأوا أنه أدعى لسماع أمير المؤمنين منهم
حيث إن المسلمين مُقْبلون على معركة مصيرية تستدعي اتفاق الكلمة.



وقد استجاب أمير المؤمنين لطلبهم في التحقيق في أمر شكواهم مع علمه بأنهم أهل
هوى وشر، فبعث عمر t محمد بن مسلمة ليتأكد من دعاوى
الشاكين، وفي هذا بيان لمنهج الصحابة t في التحقيق في
قضايا الخلاف التي تجري بين المسئولين ومن تحت ولايتهم.



وعزل عمر t سعد بن أبي وقاص t
درءًا للفتن وإماتتها وهي في مهدها قبل أن تستفحل، فتسبب الشقاق والفرقة وربما
القتال.



هذا وقد استبقى عمر سعدًا t في المدينة وأقر من استخلفه
سعد على الكوفة بعده، وصار سعدًا من مستشاري عمر في المدينة، ثم جعله من الستة
المرشحين للخلافة حين طعن، ثم أوصى الخليفة من بعده بأن يستعمل سعدًا وقال: فإني لم
أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك.



عزل خالد بن الوليد :


وجد أعداء الإسلام في سعة خيالهم وشدة حقدهم مجالاً واسعًا لتصيد الروايات التي
تظهر صحابة رسول اللهفي مظهر مشين، فإذا لم يجدوا شفاء
نفوسهم، اختلقوا ما ظنوه يجوز على عقول القارئين، لكي يصبح أساسًا ثابتًا لما
يتناقله الرواة، وتسطره كتب المؤلفين، وقد تعرض عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي
الله عنهما لمفتريات أعداء الإسلام، الذين حاولوا تشويه صفحات تاريخنا المجيد،
ووقفوا كثيرًا عند أسباب عزل عمر لخالد بن الوليد رضي الله عنهما وألصقوا التهم
الباطلة بالرجلين العظيمين، وأتوا بروايات لا تقوم على أساس عند المناقشة، ولا تقوم
على برهان أمام التحقيق العلمي النزيه.



عزل عمر t خالدًا في المرة الأولى عن القيادة العامة،
وإمارة الأمراء في الشام، وكانت هذه المرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة غداة
تولي عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق t.



وفي "قنسرين" من قرى بلاد شمال الشام جاء العزل الثاني لخالد وذلك في السنة
السابعة عشرة من الهجرة، ومجمل أسباب العزل فيما يلي:



أ- حماية التوحيد:

ففي قول عمر t: ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا
إليه ويبتلوا به. يظهر خشية عمر t من فتنة الناس بخالد،
وظنهم أن النصر يسير في ركاب خالد، فيضعف اليقين أن النصر من عند الله، سواء أكان
خالدًا على رأس الجيش أم لا.



وعن ذلك يقول حافظ إبراهيم في تخوف عمر:



وَقِيلَ: خَالَفْتَ يَا فَارُوقُ صَاحِبَنَا *** فِيهِ وَقَدْ كَانَ أَعْطَى
الْقَوْسَ بَارِيهَا



فَقَال: خِفْتُ افْتِتَانَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ *** وَفِتْنَةُ النَّفْسِ
أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيـهَا



ب- اختلاف النظر في صرف المال:

كان عمر t يرى أن فترة تأليف القلوب، وإغراء ضعاف
العقيدة بالمال والعطاء قد انتهت، وصار الإسلام في غير حاجة إلى هؤلاء، وأنه يجب أن
يوكل الناس إلى إيمانهم.

بينما يرى خالد بن الوليد أن من معه من ذوي البأس والمجاهدين في ميدانه، ممن لم
تخلص نياتهم لمحض ثواب الله، أمثال هؤلاء في حاجة إلى من يقوي عزيمتهم، ويثير
حماستهم من هذا المال.



ولا شك أن عمر وخالدًا اجتهدا فيما ذهبا إليه ولكن عمر أدرك أمورًا لم يدركها
خالد رضي الله عنهما.



ج- اختلاف منهج عمر عن منهج خالد في السياسة العامة:

فقد كان عمر يصر على أن يستأذن الولاة منه في كل صغيرة وكبيرة، بينما يرى خالد
أن من حقه أن يعطي الحرية كاملة من غير الرجوع لأحد في الميدان الجهادي، وتطلق يده
في كل التصرفات إيمانًا منه بأن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.



ولعل من الأسباب التي دعت عمر إلى عزل خالد أيضًا، إفساح المجال لطلائع جديدة من
القيادات.



حتى تتوافر في المسلمين نماذج كثيرة أمثال خالد، والمثنى وعمرو بن العاص، ثم
ليدرك الناس أن النصر ليس رهنًا برجل واحد مهما كان هذا الرجل.



شروط عمر في الولاة :


لم يكن ينظر إلى صلاح الرجل في ذاته، ولكن إلى صلاحه للولاية، لذلك كان يولي
أناسًا وأمامه من هو أتقى منهم وأكثر علمًا, وأشد عبادة، وكان يقول: إني لأتحرج أن
استعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه. وكان يستعمل رجلاً من أصحاب رسول اللهمثل عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي
سفيان، والمغيرة بن شعبة، ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان بن عفان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف،
ونظرائهم لقوة أولئك على العمل والبصر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له.



قال عمر يومًا لأصحابه: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمني. قالوا: فلان.
قال: لا حاجة لنا فيه، قالوا: من تريد؟ قال: أريد رجلاً إذا كان في القوم وليس
أميرهم كان كأنه أميرهم، وإن كان أميرهم كان كأنه رجل منهم. قالوا: ما نعرف هذه
الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتم, فولاه.



من لا يرحم لا يرحم :


أمر عمر t بكتابة عهد لرجل قد ولاه، فبينما الكاتب يكتب
جاء صبي فجلس في حجر عمر فلاطفه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لي عشرة من الأبناء
ما دنا أحد منهم مني قال عمر: فما ذنبي إن كان اللهنزع الرحمة من قلبك، وإنما يرحم الله
من عباده الرحماء، ثم قال: مزق الكتاب، فإنه إذا لم يرحم أولاده فكيف يرحم
الرعية.



قواعد عمر في تعيين الولاة وشروطه عليهم :




1- القوة والأمانة :


وقد طبق الفاروق t هذه القاعدة، ورجح الأقوى من الرجال
على القوي، فقد عزل عمرُ شرحبيلَ بن حسنة وعيّن بدله معاوية، فقال له شرحبيل: أمن
سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل.



ومن أجمل ما أُثر عن عمر في هذا المعنى قوله: اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر
وعجز الثقة.



2- مقام العلم في التولية :


وقد جرى عمر الفاروق t على سنة رسول اللهفي تولية أمراء الجيوش خاصة. قال
الطبري: إن أمير المؤمنين كان إذا اجتمع إليه جيش من أهل الإيمان أمّر عليهم رجلاً
من أهل الفقه والعلم.



وكان عمر يستعمل قومًا ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل، وكان التفضيل هنا إنما
يعني أن أولئك الذين تركهم عمر كانوا أفضل دينًا، وأكثر ورعًا، وأكرم أخلاقًا ولكن
خبرتهم في تصريف الأمور أقل من غيرهم، فليس من الضروري أن يجتمع الأمران كلاهما
معًا، وهذه القاعدة التي وضعها عمر، ما زالت متبعة حتى اليوم في أرقى الدول، ذلك
بأن المتدين الورع الخلوق إذا لم تكن له بصيرة في شئون الحكم، قد يكون عرضة لخديعة
أصحاب الأهواء المضللين، أما المحنك المجرب، فإنه يعرف من النظرة السريعة، معاني
الألفاظ وما وراء الألفاظ من معان..



وهذا هو السبب الذي دعا عمر بن الخطاب لاستبعاد رجل لا يعرف الشر، فقد سأل عن
رجل أراد أن يوليه عملاً فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه لا يعرف الشر. فقال عمر
لمخاطبه: ويحك ذلك أدنى أن يقع فيه. وهذا لا يعني أن يكون العامل غير متصف بالقوة
والأمانة والعلم والكفاية وغيرها من الصفات التي يستلزمها منطق الحكم والإدارة،
وإنما يقع التفاضل بين هذه الصفات، ويكون الرجحان لما سماه عمر بن الخطاب: البصر
بالعمل.



3- أهل الوبر وأهل المدر :




جعل الوالي من القوم :


من الملاحظ أن عمر بن الخطاب t كان في كثير من الأحيان
يولى بعض الناس على قومهم، إذا رأى في ذلك مصلحة، ورأى الرجل جديرًا بالولاية، ومن
ذلك توليته جابر بن عبد الله البجلي على قومه بجيلة، حينما وجههم إلى
العراق، وكذلك تولية سلمان الفارسي على المدائن، وتولية نافع بن الحارث على مكة،
وعثمان بن أبي العاص على الطائف، ولعله كان يرمي من وراء ذلك إلى أهداف معينة
يستطيع تحقيقها ذلك الشخص أكثر من غيره.



فكان عمر ينظر حين يعيّن أحد عماله، إلى بعض الخصائص والطباع والعادات،
والأعراف، فلقد عُرف أنه كان ينهي عن استعمال رجل من أهل الوبر على أهل المدر، وأهل
الوبر هم ساكنو الخيام، وأهل المدر هم ساكنو المدن، وهذه نظرة دقيقة في اختيار
الموظفين، فلكل من أهل الوبر والمدر خصائص وأخلاق وعادات وأعراف مختلفة، ومن
الطبيعي أن يكون الوالي عارفًا بنفسية الرعية، وليس من العدل أن يتولى أمرها رجل
جاهل بها، فقد يرى العرف نكرًا، وقد يرى الطبيعي غريبًا، فيؤدي ذلك إلى غير ما
يتوخاه المجتمع من أهداف يسعى إلى تحقيقها.



4- الرحمة والشفقة على الرعية :


كان عمر t يتوخى في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية،
وكم من مرة أمر قادته في الجهاد ألا يغزو بالمسلمين، ولا ينزلوهم منزل هلكة.



وخطب عمر ولاته فقال: اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله تعالى، ولا أعم من حلم
إمام ورفيقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من
يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه.



5- لا يولي أحدًا من أقاربه :


كان عمر t حريصًا على أن لا يولي أحدًا من أقاربه رغم
كفاية بعضهم، وسبقه إلى الإسلام مثل: سعيد بن زيد ابن عمه، وعبد الله بن عمر ابنه، وقد سمعه رجل من أصحابه يشكو إعضال أهل
الكوفة به في أمر ولاتهم، ويقول عمر: لوددت أني وجدت رجلاً قويًّا، أمينًا مسلمًا
استعمله عليهم، فقال الرجل: أنا والله أدلك عليه، عبد الله بن عمر، فقال عمر: قاتلك
الله، والله ما أردت الله بهذا. ويقول: من استعمل رجلاً لمودة أو قرابة لا يشغله
إلا ذلك فقد خان الله ورسوله.



6- لا يعطي من طلبها :


كان لا يولي عملاً لرجل يطلبه، وأراد أن يستعمل رجلاً فبدر الرجل بطلب العمل،
فقال له: قد كنا أردناك لذلك، ولكن من طلب هذا الأمر لم يعن عليه.



وقد سار على هذا النهج اقتداء بسنة الرسول.



7- منع العمال من مزاولة التجارة، وإحصاء ثرواتهم عند تعيينهم:


كان عمر t يمنع عماله وولاته من الدخول في الصفقات
العامة سواء أكانوا بائعين أو مشترين، وكان عمر t يحصي
أموال العمال والولاة ليحاسبهم على ما زادوه بعد الولاية مما لا يدخل في عداد
الزيادة المعقولة، ومن تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكان يقول لهم: إنما
بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجارًا.



وروي أن عاملاً لعمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، ظهر عليه الثراء،
فسأله عمر عن مصدر ثرائه فأجاب: خرجت بنفقة معي فاتجرت بها، فقال عمر: أما والله ما
بعثناكم لتتّجروا، وأخذ منه ما حصل عليه من ربح.



8- شروط عمر على عماله :


كان عمر بن الخطاب t إذا استعمل عاملاً كتب عليه
كتابًا، وأشهد عليه رهطًا من الأنصار: أن لا يركب برذونًا، ولا يأكل نقيًا، ولا
يغلق بابه دون حاجات المسلمين، ثم يقول: اللهم فاشهد.



وهذه الشروط تعني الالتزام بحياة الزهد، والتواضع للناس، هي خطوة أولى في إصلاح
الأمة بحملها على التوسط في المعيشة، واللباس والمركب فهذه الحياة التي تقوم على
الاعتدال حتى تستقيم أمورها، وهي خطة حكيمة، فإن عمر لا يستطيع أن يلزم جميع أفراد
الأمة بأمر لا يعتبر واجبًا في الإسلام، ولكنه يستطيع أن يلزم بذلك الولاة والقادة،
وإذا التزموا فإنهم القدوة الأولى في المجتمع وهي خطة ناجحة في إصلاح المجتمع
وحمايته من أسباب الانهيار.



المشورة في اختيار الولاة :


كان اختيار الولاة يتم بعد مشاورة الخليفة لكبار الصحابة، استشار عمر t الصحابة فيمن يولي على الكوفة فقال لهم: من يعذرني من أهل
الكوفة من تجنيهم على أمرائهم إن استعملت عليهم لينًا استضعفوه، وإن استعملت عليهم
شديدًا شكوه، ثم قال: يا أيها الناس ما تقولون في رجل ضعيف غير أنه مسلم تقي، وآخر
قوي مشدد أيهما الأصلح للإمارة؟ فتكلم المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين إن
الضعيف المسلم إسلامه لنفسه وضعفه عليك وعلى المسلمين، والقوى المشدد فشداده على
نفسه وقوته لك وللمسلمين فأعمل في ذلك رأيك، فقال عمر: صدقت يا مغيرة، ثم ولاه
الكوفة وقال له: انظر أن تكون ممن يأمنه الأبرار ويخافه الفجار، فقال المغيرة: أفعل
ذلك يا أمير المؤمنين.



اختبار العمال قبل التولية :


كان عمر t يختبر عماله قبل أن يوليهم، وقد يطول هذا
الاختبار كما يوضحه الأحنف بن قيس حين قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله عليه،
فاحتبسني عنده حولاً فقال: يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا
أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق
عليم. ثم قال له عمر: أتدرى لم احتبستك؟ وبين له أنه أراد اختباره ثم ولاّه، ومن
نصائح عمر للأحنف: يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من
شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه،
ومن قل ورعه مات قلبه.



المرسوم الخلافي :


وقد اشتهر عن عمر t أنه حينما كان ينتهي من اختيار
الوالي واستشارة المستشارين يكتب للوالي كتابًا يسمى عهد التعيين أو الاستعمال عند
كثير من المؤرخين ويمكننا أن نسميه مجازًا (المرسوم الخلافي) في تعيين العامل أو
الأمير، وقد وردت العديد من نصوص التعيين لعمال عمر، ولكن المؤرخين يكادون يتفقون
على أن عمر بن الخطاب t كان إذا استعمل عاملاً كتب له
كتابًا وأشهد عليه رهطًا من المهاجرين والأنصار، واشترط عليه شروطًا في الكتاب، وقد
يكون الشخص المرشح للولاية غائبًا، فيكتب له عمر عهدًا يأمره فيه بالتوجه إلى
ولايته، ومثال ذلك كتابه إلى العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين أمره بالتوجه إلى
البصرة لولايتها بعد عتبة بن غزوان، وفي حال عزل أمير وتعيين آخر مكانه، فإن الوالي
الجديد كان يحمل خطابًا يتضمن عزل الأول وتعيينه مكانه، وذلك مثل كتاب عمر مع أبي
موسى الأشعري حين عزل المغيرة بن شعبة عن ولاية البصرة وعيّن أبا موسى مكانه.



الاجتهاد والإدارة :


يقول الدكتور أحمد شلبي: "وكان الاجتهاد من أبرز الجوانب في حياة عمر خلال حقبة
خلافته الحافلة بالأحداث، فحفظ الدين، ورفع راية الجهاد، وفتح البلاد، ونشر العدل
بين العباد، وأنشأ أول وزارة مالية في الإسلام، وكون جيشًا نظاميًّا للدفاع وحماية
الحدود، ونظم المرتبات والأرزاق، ودوّن الدواوين، وعيّن الولاة والعمال والقضاة،
وأقر النقود للتداول الحياتي، ورتب البريد، وأنشأ نظام الحسبة، وثبت التأريخ
الهجري، وأبقى الأرض المفتوحة دون قسمة، وخطط المدن الإسلامية وبناها، فهو بحق أمير
المؤمنين، وباني الدولة الإسلامية".



ويقول المستشار علي علي منصور: إن رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري قبل
أربعة عشر قرنًا من الزمن دستور للقضاء والمتقاضين، وهي أكمل ما وصلت إليه قوانين
المرافعات الوضعية، وقوانين استقلال القضاة.



اجتهاد عمر في التشريع :


جاء عمر بن الخطاب t بعد أبي بكر الصديق، وواصلت جيوش
المسلمين زحفها، ففتحت بلاد فارس والشام ومصر من بلاد الروم، وكثرت الغنائم وواجه
عمر مشكلات جديدة في إرسال الجيوش، وإمدادها وتنظيم الجند وحكم البلاد التي تفتح
بحكم الله، وكلما أمعن المسلمون في الغزو وأبعدوا في الأرض كثرت المشكلات التي
تواجههم، وقد وُفّق الفاروق لحل هذه المشكلات وتدبير أمور الدولة في حكم الأقطار
البعيدة عنه، والقريبة منه توفيقًا كبيرًا، وظلت حياة المسلمين مستقيمة في حياة عمر
استقامتها في حياة أبي بكر الصديق، فكلاهما ساس الناس كما كان يسوسهم الرسول، والتزم الفاروق بالقرآن الكريم وسيرة
النبيوسيرة أبي بكر ومشورة الصحابة في حل ما
عرض له من مشكلات التي نشأت عن طريق الفتوح، فكلما طرأت له مشكلة وجد حلها في كتاب
الله، فإن لم يجد ففي سنة رسوله، فإن لم يجد ففي سيرة أبي بكر الصديق،
فإن لم يجد دعا أولي الأمر والرأي من المهاجرين والأنصار فشاورهم حتى يجد الحل
للمشكلة، أو المشكلات التي عرضت له.



من يستشعر المسئولية لا ينام :


"عمر بن الخطاب t لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو
قاعد فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ فقال: كيف أنام إن نمت بالنهار ضيعت أمور
المسلمين, وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل"[10].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:20 pm

زهده

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  380_image002ما أصدق
كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريفه للزهد، قال: ليس الزهد ألا تملك
شيئًا ولكن الزهد ألا يملكك شيء.



وقال يونس بن ميسرة: ليس الزهد في الدنيا بترك الحلال ولا إضاعة المال، ولكن
الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في
المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامّك في الحق سواء.



يمثل الزهد في حياة الفاروق t أصلاً من الأصول التي قام
عليها دينه القويم.



ومن عجيب أثر الزهد في حياته أنه جعله يحيا مع الناس ببدنه، وأما قلبه وعقله ففي
عالم الآخرة.



ومن آثار الزهد في حياته أن الله تعالى ثبت الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه
وبصّره بعيوبه، ورَغِب في الباقيات الصالحات، وترك الشهوات الفانيات.



وحقيقة زهد عمر بن الخطاب إيجابية، فقد ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة،
فلم يكن الزهد عنده يعني الانقطاع عن الدنيا بترك الأهل، والمال، والأولاد، فليس كل
ذلك من الزهد في شيء، والإسلام منه براء.



ذلك؛ لأن الله تعالى أخبر عن رسله أنهم كانت لهم أزواج وذرية، والإنفاق على
الأهل والأولاد من الواجبات الشرعية، التي يأثم المرء بتركها، فكيف يكون الواجب
محلاً للزهد؟!



بل زهد عمر في الدعة والراحة، فاجتهد في جهاد الفرس والروم، حتى صار أهل الإسلام
سادة الدنيا كلها، وانتشر الإسلام في ربوع المعمورة.



وبالزهد في متاع الدنيا الزائل فاق الفاروق الصحب الكرام، وأحبه أهل
الإسلام.



يقول طلحة بن عبيد الله t: ما كان عمر بن
الخطاب t بأولنا إسلامًا، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان
أزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة.



ويقول سعد بن أبي وقاص t: والله ما كان عمر بن الخطاب
t أقدمنا هجرة وقد عرفت بأي شيء فَضَلنا، كان أزهدنا في
الدنيا.



لماذا زهد عمر بن الخطاب t في الدنيا :


لقد فهم عمر t من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته
للنبي الأمينومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا
دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا
بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرًا وباطنًا، وقد وصل
إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق:



أ - اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل: كما قال
النبي: "كُنْ فِي
الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"[1].



ب - وأن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله
تبارك وتعالى:

ففي الترمذي بسنده عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لَوْ كَانَتِ
الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا
شَرْبَةَ مَاءٍ". وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو
عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.



وفي الترمذي بسنده عن أبي هريرة يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: "أَلا
إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا
وَالاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ.



جـ - أن عمرها قد قارب على الانتهاء:

روى مسلم بسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "بُعِثْتُ أَنَا
وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ. قَالَ: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى".



د- أن الآخرة هي الباقية، وهي دار القرار، كما قال مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ
الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ
صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [طه: 39, 40].



كانت هذه الحقائق قد استقرت في قلب عمر، فترفَّع t عن
الدنيا وحطامها وزهد فيها.




بعض مواقف عمر بن الخطاب التي تدل على زهده في الدنيا :


فعن أبي الأشهب قال: مر عمر t على مزبلة فاحتبس عندها،
فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها.



ولا نستغرب هذا الموقف التربوي العملي فقد ربى على مثله رسول الله أصحابَه.



روى مسلم بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِمَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ
الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ،
فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّكُمْ
يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟", فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ
لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "أَتُحِبُّونَ
أَنَّهُ لَكُمْ؟" قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا
فِيهِ؛ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: "فَوَاللَّهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا
عَلَيْكُمْ".



وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يقول: والله ما نعبأ بلَذَّات العيش
أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط لنا، ونأمر بلباب الخبز فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب
فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب، أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا
نريد أن نستبقى طيباتنا، لأنا سمعنا الله يقول: {أَذْهَبْتُمْ
طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20].



وعن أبي عمران الجوني قال: قال عمر بن الخطاب: لنحن أعلم بلين الطعام من كثير من
آكيله، ولكنا ندعه لـ {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}
[الحج: 2].



وقد قال عمر t: نظرت في هذا الأمر، فوجدت إن أردت
الدنيا أضررت بالآخرة، وإن أردت الآخرة أضررت بالدنيا، فإذا كان الأمر هكذا، فأضرّ
بالفانية.



وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في تأخره، وقال: إنما حبسني
غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره.



وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب t حاجّا من المدينة إلى مكة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطا،
ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة فيستظل تحته.



هذا هو أمير المؤمنين الذي يسوس رعية من المشرق والمغرب يجلس على التراب وتحت
رداء كأنه أدنى الرعية، أو من عامة الناس،



ودخلت عليه مرة حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد رأت ما هو فيه من شدة العيش
والزهد الظاهر عليه، فقالت: إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت
طعامًا أطيب من ذلك، ولبست ثيابًا ألين من ثوبك؟ قال: سأخصمك إلى نفسك، فذكر أمر
رسول اللهوما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل
يذكرها ما كان فيه رسول الله، وكانت معه حتى أبكاها، ثم قال: إنه
كان لي صاحبان سلكا طريقًا، فإن سلكت طريقًا غير طريقهما سلك بي غير طريقهما، إني
والله سأصبر على عيشهما الشديد لعلي أن أدرك معهما عيشهما الرَّخِيّ.



ويبكي الفاروق t خوفًا من وقوع العداوة والبغضاء بين
المسلمين بسبب كثرة الأموال، والذهب والفضة من الغنائم والفيء في بيت المال.



يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله. لما أُتي عمر بن الخطاب بكنوز
كسرى قال عبد الله بن الأرقم: ألا تجعلها في بيت المال حتى نقسمها؟ قال: لا والله،
لا أظلها سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا عليها
يحرسونها، فلما أصبح أمر بها، فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان
يتلألأ منه البصر، فبكى عمر.



فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله إن هذا ليوم
شكر، ويوم فرح؟! فقال عمر: ويحك إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقي بينهم العداوة
والبغضاء.



قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم
يردها.



زهد عمر بن الخطاب t في المطعم :


فقد ضرب الفاروق فيه بسهم وافر، وقسط عظيم، حتى عرف بالزهد في المطعم.



والزهد فى الطعام عند الفاروق لا يعنى تحريم الحلال، فهذا فعل الجهال، وإنما
يعنى أن يكون طعامه متوسطًا، فلا يطلب مفقودًا، ولا يَرُدّ موجودًا.



يقول أبو بكرة الثقفي t: أُتي عمر بن الخطاب بخبز وزيت
فمسح على بطنه، وجعل يأكل، ويقول: على الخبز والزيت.



بل كان من شدة زهده في الطعام، ينهى عن نخل الدقيق، وفي ذلك يقول يسار بن نمير
رحمه الله: والله ما نخلت لعمر دقيق قط إلا وأنا له عاصٍ.



ويقول مولاه أسلم رحمه الله: رأى عمر إنسانا ينخل الدقيق، فقال: أخلطه، إن
السمراء لا تنخل.



وهذا الحرص من الفاروق على الزهد في المطعم إنما جاء بعد عظة مرت عليه في حياة
النبي، وقد عاشها عمر بن الخطاب بنفسه.



يروى النعمان بن بشير t. يقول: قال عمر بن
الخطاب رحمه الله، وذكر ما أصاب الناس من الدنيا: لقد رأيت رسول اللهيَظَل اليوم يلتوي، ما عنده ما يملأ
بطنه من الدَّقَل.



وما هو الدقل؟ إنه نوع من التمر الرديء، فيطلق على سيئ التمر، صغير الحب، قليل
الحلاوة الدقل.



فعمر يرى أسوته وقدوته يعاني من شدة العيش، فكيف لا يحرص هو على الزهد في المطعم
بعد ذلك؟!



فكان عمر t يقول: إنه لا أجده يحل لي لحل مالكم إلا عما
كنت آكلاً من صلب مالي: الخبز والزيت، والخبز والسمن.



ويحكى عتبة بن فرقد فيقول: قدمت على عمر t بسلال خبيص
عظام.. فقال: ما هذه؟ فقلت: طعام أتيتك به، لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول
النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه فقواك، فكشفت عن سلة منها،
فقال: عزمت عليك يا عتبة، إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة.



فقلت: والذي يصلحك يا أمير المؤمنين، لو أنفقت مال قيصر كله، وما وسع ذلك، إن
النفقة تكثر!



قال عمر: فلا حاجة لي فيه فيما لا يسع العامة، ثم دعا بقصعة من ثريد، خبزًا
خشنًا، ولحمًا غليظًا. وهو يأكل معي أكلاً شهيًا، فجعلت أهوى إلى البضعة البيضاء
أحسبها سنامًا، فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها، فلا أسيغها، فإذا هو غفل
عنى جعلتها بين الخوان والقصعة، ثم دعا بعُسٍّ من نبيذ، قد كاد يكون خلاًّ، فقال:
اشرب، فأخذته، وما أكاد أن أسيغه، ثم أخذه، فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة، إنا ننحر
كل يوم جزورًا فأما ودكها وأطيابها فلمن حضرنا من المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر،
يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ.



وما أروعه في عام الرمادة وهو يشارك الناس المحنة زاهدًا في مطعمه يروى أسلم
مولاه رحمه الله فيقول: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما
قل، قال: لا آكله حتى يأكله الناس. فكان يأكل الزيت فقال: يا أسلم، اكسر عني حره
بالنار، فكنت أطبخه له فيأكله فيتقرقر بطنه عنه فيقول: تقرقر، لا والله لا تأكله
حتى يأكله الناس.



أي روعة تلك؟!



أمير المؤمنين وحاكم المسلمين، طعامه الخبز والزيت!!



يقول أنس بن مالك t: تقرقر بطن عمر بن
الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه،
وقال: تقرقر تقرقرك، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس.



هذا هو الفاروق، هذا هو ابن الخطاب الذي يحكم ديار الإسلام من مشرقها إلى
مغربها.



أخذ نفسه وأهله بحال من التقشف، وخشونة العيش حتى ساوى نفسه بفقراء ومساكين
المسلمين، وهو أمير المؤمنين.



ولم تدعه نفسه إلى لذيذ العيش، ونعيم الدنيا، واهتم كثيرًا برفع المعاناة عن
الرعية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.



يقول حفص بن أبي العاص t: كان عمر t يغدينا بالخبز والزيت، والخل، والخبز واللبن والخبز والقديد،
وأول ذلك اللحم الغريض، يأكل وكنا نعذر. وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فكله طعام،
وكان يقول: ما لكم لا تأكلون؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنا نرجع إلى طعام ألين من
طعامك. فقال: يا ابن أبى العاص، أما تراني عالمًا أن أرجع إلى دقيق ينخل في خرقة
فيخرج كأنه كذا وكذا؟! أما تراني عالمًا أن أعمد إلى عناق سمينة، نلقى عنها شعرها،
فتخرج كأنها كذا وكذا؟! أما تراني عالمًا أن أرجع إلى صاع أو صاعين من زبيب فأجعله
في سقاء وأصب عليه من الماء، فيصبح كأنه دم الغزال؟!



قال قلت: أحسن ما يبعث العيش يا أمير المؤمنين. قال: أجل، والله لولا مخافة أن
ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في لين عيشكم، ولكني سمعت الله ذكر قومًا،
فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ
الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20].



مشاهد من زهد عمر بن الخطاب t :


يقص علينا الربيع بن زياد الحارثي طرفًا من زهد عمر فيقول: إنه وفد على عمر بن
الخطاب، فأعجبه هيئته- يعني هيئة الربيع- فشكا عمر وجعًا به من طعام غليظ يأكله،
فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء
لأنت.



وكان عمر متكئًا وبيده جريدة نخل فاستوى جالسًا، فضرب به رأس الربيع بن زياد،
وقال له: والله ما أردت بهذا إلا مقاربتي وإن كنت لأحسب فيك خيرًا، ألا أخبرك بمثلي
ومثل هؤلاء؛ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم، فقالوا: أنفق
علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.



ويسعى عمر t جاهدًا في أن تكون أسرته، كحاله تمامًا،
فيروى ابنه عبد الله يقول دخل عليّ عمر، وأنا على مائدة، فأوسعت له عن صدر المجلس،
فقال: بسم الله، ثم ضرب بيده فلقم لقمة، ثم ثَنّى بأخرى، ثم قال: إني لأجد طعم دسم
ما هو بدسم لحم.



فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه
فوجدته غاليا، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمنا، وأردت أن يزاد
عيالي عظمًا عظمًا.



فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول اللهإلا أكل أحدهما، وتصدق
بالآخر. فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين، فلن يجتمعا عندي أبدًا إلا فعلت ذلك.
قال: ما كنت لأفعل. فينكر عمر t على ابنه أن يجتمع عنده
لونين من الدسم على مائدة، ويدعوه إلى التآسي بالنبي، والتصدق بأحدهما.



فما أروع هذا الحاكم الذي يدعوه زهده إلى الشفقة والرحمة برعيته.



فأين الآن ذلك الحاكم؟!



وأين ذلك الإمام الذي يتفانى في مصلحة رعيته؟!



لقد كان عمر t يحب رعيته حبًّا جمًّا، ويحب ما يصلحها،
ويكره ما يفسدها، ولا يرى لنفسه من الحقوق إلا كما لأدناهم.



وأما زهده في الملبس فلا يختلف عن زهده في المطعم، فهو لا ينشغل بالثياب ولا
يبالى أي الثياب ارتدى مع كونه أمير المؤمنين t.



يقول أنس بن مالك t: لقد رأيت بين كتفي عمر بن الخطاب
أربع رقاع مُلبدة بعضها على بعض في قميص له، وهو يومئذ أمير المؤمنين.



ويقول أبو عثمان النهدي رحمه الله: رأيت عمر بن الخطاب، يرمي الجمرة وعليه إزار
مرقوع.



من زهده t أنه ما ضرب له في مسيره فسطاط، ولا خباء.



فهذا عبد الله بن عامر بن ربيعة رحمه الله يقول: خرجت مع عمر بن الخطاب حاجًّا
من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا، فما ضرب فسطاط ولا خباء حتى رجع، وكان إذا نزل
يُلقى له كساء، أو نطع على الشجرة، ويستظل تحته. فوطاؤه إذا ركب، هو فراشه إذا
نزل.



ومن زهده t في المركوب أنه كان لا يحب إلا ركوب ما
اعتاد عليه العرب من الدواب، وإن كان غيره أسرع.



يروي أسلم مولى عمر رحمه الله فيقول: لما قدمنا على الشام أناخ بعيره وذهب
لحاجته، فألقيت فروتي بين شعبتي الرحل، فلما جاء ركب على الفرو، فلقينا أهل الشام
يتلقون عمر فجعلوا ينظرون، فجعلت أشير لهم إليه. قال عمر: تطمح أعينهم إلى مراكب من
لا خلاق له. يريد مراكب العجم.



ويقول قيس بن أبي حازم رحمه الله: لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على
بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو ركبت برذونًا يلقاك عظماء الناس ووجوههم. قال:
فقال عمر: ألا أراكم هاهنا، إنما الأمر من هاهنا -وأشار بيده إلى السماء- خلوا سبيل
جملي.



ويروي طارق بن شهاب رحمه الله فيقول: لما قدم عمر الشام أتته الجنود، وعليها
إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء، فقالوا له: يا أمير المؤمنين،
تلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذا الحال؟!!



فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العز بغيره.



وهكذا يعلمنا الفاروق t أن الزهد في الدنيا ليس المراد
به إخراجها من اليد بالكلية، وقعود العبد صفرًا منها.



وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية، فلا يلتفت العبد إليها، ولا يدعها تساكن
قلبه، وإن كانت في يده.

فقد كانت الأموال تأتي إلى بيت المال في خلافة الفاروق، وتصب صبًّا، ولا يستطيع
المرء لها عدًّا، ومع ذلك لم يأخذ بريقها بأبصار الفاروق t.



فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك، وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تخرجها من قلبك،
وهي في يدك.



ومن ثَمَّ نعرف أنه ليس بالضروري أن يكون الزاهد فقيرًا، أو مسكينًا، بل قد يكون
غنيًّا وصاحب جاه وسلطان؛ لأنه لا منافاة بين كون العبد يملك الشيء في يده، ومع ذلك
يزهد فيه.



وما أروع خطاب المولىلعباده المؤمنين: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ
الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ} [القصص: 77].



لقد بُسطت الدنيا بين يدي عمر t وتحت قدميه، وفتحت بلاد
الدنيا في عهده، وأقبلت إليه الدنيا راغمة، فما طرف لها بعين، ولا اهتز لها قلبه،
بل كان كل سعادته في إعزاز دين الله، وخَضْدِ شوكة المشركين، فكان الزهد صفة بارزة
في شخصية الفاروق t.



تفضيل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر y في العطاء:



كان عمر t يقسم المال ويفضل بين الناس على السابقة
والنسب ففرض لأسامة بن زيد t أربعة آلاف، وفرض لعبد الله
بن عمر t ثلاثة آلاف، فقال: يا أبت فرضت لأسامة بن زيد
أربعة آلاف، وفرضت لي ثلاثة آلاف؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك، وما كان له
من الفضل ما لم يكن لي. فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول اللهمن أبيك، وهو كان أحب إلى رسول
اللهمنك.



أم سليط أحق به :


عن ثعلبة بن أبى مالك أنه قال: إن عمر بن الخطاب t قسم
مروطًا بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده: يا أمير
المؤمنين، أعط هذا بنت رسول اللهالتي عندك -يريدون أم كلثوم
بنت علي- فقال عمر: أم سليط أحق به. وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول
الله، قال عمر: فإنها كانت تَزْفِر لنا
القِرَب يوم أحد.



هذه بعض المواقف التي تدل على ترفع عمر عن الأموال العامة ومنع أقربائه وأهله من
الاستفادة من سلطانه ومكانته، ولو أن عمر أرخى العنان لنفسه أو لأهل بيته لرتعوا
ولرتع من بعدهم، وكان مال الله تعالى حبسًا على أولياء الأمور



وكان t يزهد في الإمارة لأولاده وها هو يقول: أعياني
أهل الكوفة، إن استعملت عليهم لينًا استضعفوه، وإن استعملت عليهم شديدًا شكوه،
ولوددت أني وجدت قويًا أمينًا مسلمًا استعمله عليهم.



فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أنا والله أدلك على رجل قوي أمين، فأثنى عليه قال:
من هو؟ قال: عبد الله بن عمر. قال عمر: قاتلك الله، والله ما أردت اللهَ بها.



ومن القواعد الطبيعية المؤيدة بالمشاهد أن الحاكم إذا امتدت يده إلى مال الدولة
اتسع الفتق على الراتق، واختل بيت المال أو مالية الحكومة، وسرى الخلل إلى جميع
فروع المصالح، وجهر المسر بالخيانة، وانحل النظام، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان
ذا قناعة وعفة عن مال الناس زاهدا في حقوقهم دعاهم ذلك إلى محبته والرغبة فيه، وإذا
كان حاكمًا حدبوا عليه وأخلصوا في طاعته وكان أكرم عليهم من أنفسهم.



ومن خلال حياته مع أسرته وأقربائه يظهر لنا معلم من معالم الفاروق في ممارسة
منصب الخلافة وهى القدوة الحسنة في حياته الخاصة والعامة، حتى قال في حقه علي بن
أبى طالب: عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا. وكان لالتزامه بما يدعو إليه،
ومحاسبته نفسه وأهل بيته أكثر مما يحاسب به ولاته وعماله الأثر الكبير في زيادة
هيبته في النفوس وتصديق الخاصة والعامة له.



هذا هو عمر الخليفة الراشد الذي بلغ الذروة في القدوة، رباه الإسلام فملأ
الإيمان بالله شغاف قلبه، إنه الإيمان العميق، الذي صنع منه قدوة للأجيال، ويبقى
الإيمان بالله والتربية على تعاليم هذا الدين سببا عظيما في جعل الحاكم قدوة لكل
الرعية، ومثالا يُحتذى للجميع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:34 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  382_image002الإيجابية بمعناها الدقيق تعني التفاعل مع الأحداث، والتأثير في سيرها،
وعدم السكوت عن الفعل الشاذ لأن السكوت عنه إقرار له.



ومن هنا كانت إيجابية سيدنا عمر بن الخطاب t.



من شمائل الفاروق t التي تدل على إيجابيته أمره
بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وسعيه للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع
دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن مطلوبًا منه،
وأيضًا دعوته لغيره من الدلائل القوية على إيجابيته t.



إيجابية عمر تدفعه إلى تعليم غيره من الناس :


ومن مواقف الفاروق التي يتجلى فيها اتباعه للسنة النبوية: موقفه من الحجر
الأسود.



فالنبيقَبَّل الحجر الأسود، والعمل على هذا
استحباب تقبيل الحجر الأسود لمن تيسر له، فإن لم يمكنه استلمه بيده، فإن لم يمكنه
استقبله إذا حاذاه وكَبَّر.



يقول عابس بن ربيعة رحمه الله: رأيت عمر بن الخطاب استقبل الحجر، ثم قال: إني
لأعلم أنك حجر، لولا أني رأيت رسول اللهيُقَبِّلك ما
قَبَّلتك، ثم تقدم فقَبّله.



وفي رواية أخرى: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، رأيت أبا القاسمبك حَفيًّا. يعنى الحجر الأسود.



قال العلامة الطبري رحمه الله: إنما قال ذلك عمر t
لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر
من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية.



فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله، لا لأن الحجر ينفع ويضر كما كانت
الجاهلية تعتقد في الأوثان.



وفي قول عمر t هذا الكلام التسليم للشارع في أمور
الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهي قاعدة عظيمة في اتباع
النبيفيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة
فيه.



قال أبو سليمان الخطاب رحمه الله: فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة، وإن لم
يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة، وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه
معانيها، إلا أنه من المعلوم في الجملة أن تقبيل الحجر إنما هو إكرام له، وقد فضل
الله بعض الأحجار على بعض، كما فضل بعض البقاع والبلدان، وكما فضل بعض الليالي
والأيام والشهور، وباب هذا كله التسليم.



فليس لهذا الأمور علّة يرجع إليها وإنما هو حكم اللهومشيئته:



{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
[الأنبياء: 23].



{أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
العَالَمِينَ} [الأعراف: 54].



فعمر t شديد المتابعة للسنة النبوية لا يُقَدّم عليها
شيئًا من الرأي، بل كان لا يقدم الرأي وأهله معتبرًا بأن أصحاب الرأي أعداء السنن
أعيتهم أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها فاستبقوها بالرأي.



قال عمرو بن الحريث: قال عمر بن الخطاب t: إياكم وأصحاب
الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضَلُّوا
وأضلوا.



قال سحنون: يعني البدع.



وقال أبو بكر بن أبي داود: أهل الرأي هم أهل البدع.



والمقصود بالرأي هنا هو الرأي المخالف للكتاب والسنة، وليس الأمر على إطلاقه فمن
المدارس الإسلامية مدرسة أهل الرأي.



وما أروع الفاروق وهو يحدد معالم الاتباع للناس قائلاً: أيها الناس: قد سُنت لكم
السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينًا
وشمالاً، وضرب بإحدى يديه على الأخرى.



فرضي الله عن الفاروق الداعي إلى الاتباع، والناهي عن الابتداع.



ويساعد الفاروق غيره من الصحابة الذين يريدون الهجرة، ويتعرضون للفتنة،
والابتلاء في أنفسهم.



إيجابية عمر t في أحداث الهجرة :


يقف عمر t عند هجرته ينصح عياش بن أبي ربيعة بعدم
العودة، ويعرفه بما أعد له من مكيدة وخدعة ولكنه يستجيب، ويسقط في الفتنة.



وآخر يعزم على الخروج مهاجرًا مع عمر ولكنه يحبس ويفتن، فماذا كان موقف الفاروق
منه.



بمجرد نزول آيات قرآنية داعية للتوبة، وعدم القنوط من رحمة الله تعالى إلا
ويكتبها الفاروق، ويرسل بها إلى هشام بن العاص السهمي فتكون سببًا في توبته، وهجرته
بعد حبسه.



ويقص علينا عمر t شيئًا من معاناة الهجرة إلى المدينة، فيقول: اتَّعَدْتُ لما أردنا الهجرة إلى
المدينة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص السهمي التناضب من أضاة بني غفار
فوق سرف، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمضي صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش
بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن.



فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام،
والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما، وأخاهما لأمهما حتى قدما
علينا المدينة، ورسول اللهبمكة فكلماه، وقالا: إن أمك قد نذرت أن
لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك فرَقّ لها. فقلت له يا عياش:
إنه والله إن القوم ما يريدوك إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد أذى أمك
القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت.



قال: فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني
لمن أكثر قريشًا مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما.



قال: فأَبَى عليّ إلا أن يخرج معهما، فلما أَبَى إلا ذلك قلت: أما إذ قد فعلت ما
فعلت، فخذ ناقتي فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج
عليها، فخرج عليها معهما.



حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال أبو جهل: إن ناقتي كلت فاحملني معك. قال عياش:
نعم ونزل ليوطئ لنفسه ولأبي جهل. فأخذاه وشداه وثاقًا وذهبا به إلى أمه، فقالت له:
لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد، وأوثقته عندها. قال: فكنا نقول: ما الله بقابل
ممن افتتن صرفًا، ولا عدلاً، ولا توبة، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء
أصابهم.



قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول اللهالمدينة أنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمر:
53].



قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال:
فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه، وأصوب، ولا أفهمها، حتى
قلت: اللهم فهمنيها.



قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها أنزلت فينا، وفيما كنا نقول لأنفسنا ويقال
فينا. قال: فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه فلحقت برسول اللهبالمدينة.



وهذه الحادثة تظهر لنا كيف أعد عمر t خطة الهجرة له،
ولصاحبيه عياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي، وكان ثلاثتهم كل واحد
من قبيلة، وكان مكان اللقاء الذي اتعدوا فيه بعيدًا عن مكة وخارج الحرم على طريق
المدينة، ولقد تحدد الزمان والمكان بالضبط بحيث إنه إذا تخلف أحدهم فليمض صاحباه،
ولا ينتظرانه، لأنه قد حبس، وكما توقعوا فقد حبس هشام بن العاص t، بينما مضى عمر وعياش بهجرتهما، ونجحت الخطة كاملة ووصلا
المدينة سالميْن، إلا أن قريشًا صممت على متابعة المهاجرين، ولذلك أعدت خطة محكمة
قام بتنفيذها أبو جهل والحارث وهما أخوا عياش من أمه، الأمر الذي جعل عياشًا يطمئن
إليهما، وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق بأمه، فاختلق أبو جهل هذه الحيلة لعلمه بمدى
شفقة ورحمة عياش بأمه، والذي ظهر جليًّا عندما أظهر موافقته على العودة معهما..




كما تظهر الحادثة الحس الأمني الرفيع الذي كان يتمتع به عمر t، حيث صدقت فراسته في أمر الاختطاف كما يظهر المستوى العظيم من
الأخوة التي بناها الإسلام، فعمر يضحى بنصف ماله حرصًا على سلامة أخيه، وخوفًا عليه
من أن يفتنه المشركون بعد عودته، ولكن غلبت عياش عاطفته نحو أمه، وبره بها، ولذلك
قرر أن يمضي لمكة فيبر قسم أمه ويأتي بماله الذي هناك، وتأبى عليه عفته أن يأخذ مال
أخيه عمر t وماله قائم في مكة لم يمس، غير أن أفق عمر
t كان أبعد، فكأنه يرى رأى العين المصير المشئوم الذي
سينزل بعياش لو عاد إلى مكة، وحين عجز من إقناعه أعطاه ناقته الذلول النجيبة، وحدث
لعياش ما توقعه عمر من غدر المشركين.



وساد في الصف المسلم أن الله تعالى لا يقبل صرفًا ولا عدلاً من هؤلاء الذين
فتنوا فافتتنوا، وتعايشوا مع المجتمع الجاهلي، فنَزَل قول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا
تُنْصَرُونَ} [الزُّمر: 53: 54].



فلما نزلت هذه الآيات، سارع الفاروق t بها إلى أخويه
الحميمين عياش وهشام، ليجددا محاولاتهما في مغادرة معسكر الكفر، أي إيجابية من عمر
بن الخطاب t وأرضاه.



وهكذا ظل عمر بن الخطاب t في خدمة دينه وعقيدته
بالأقوال والأفعال، لا يخشى في الله لومة لائم، وكان t
سندًا ومعينًا لمن أراد الهجرة من مسلمي مكة حتى خرج، ومعه هذا الوفد الكبير من
أقاربه وحلفائه، وساعد عمر t غيره من أصحابه الذين يريدون
الهجرة وخشي عليهم من الفتنة والابتلاء في أنفسهم.



وكان من إيجابيته t يوم أن هاجر أنه أخذ معه عشرين من
ضعفاء المسلمين مهاجرين معه، ولم يخرج وحده.



الجهاد في حياة الفاروق عمر t :


ومن شمائل الفاروق t: حب الجهاد في سبيل الله، وهو من
إيجابيات الفاروق t.



لقد شاهد الناس إمامهم يقدم روحه في سبيل نصرة الإسلام. وعلو راية الإيمان،
فتفانوا جميعًا في الدفاع عن ديار الإسلام، وتسابقوا في دحر طواغيت الأرض في مملكتي
الفرس والروم قطبي الأرض في ذلك الزمان.



فصار الإسلام عزيزًا في عهد الفاروق، وصار الكفر بشتى صوره ذليلاً، وما ذاك إلا
بحبه وحب رعيته للجهاد في سبيل الله تعالى.



ومنذ بدء الإسلام كانت صفحات الجهاد العمرية تتوالى غزوة تلو غزوة، ومعركة تلو
معركة حتى آخر أيامه t وأرضاه.



فشهد عمر بن الخطاب t مع النبيبدرًا، وأحدًا، والخندق، وبيعة
الرضوان، وخيبر، وفتح مكة، وحنينًا، وغيرها من المشاهد الجسام في العهد النبوي،
وكان له في كل موقعة بصمات واضحة



تعد من أروع مواقف الشجاعة، والفروسية، والاستبسال ما به صار قدوة لكل مجاهد في
سبيل الله.



إيجابية الفاروق عمر يوم إسلامه :


مما يظهر لنا بقوة ملامح الإيجابية وتأصلها في نفس هذا الصحابي الجليل ما ظهر
منه أول يوم أسلم فيه فمع حداثة إسلامه، وضعف قبيلته -بني عدي- إلا أنه تقدم
الصفوف، واقترح الظهور وعدم الاختفاء.



موقف عمر بن الخطاب من صلح الحديبية :


لا يقبل الفاروق المجاهد إعطاء الدنية في دينه، لذلك نراه يجادل النبيفي شأن صلح الحديبية، فيقول عمر:
فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ
حَقًّا؟ قَالَ: "بَلَى". قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى
الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: "بَلَى". قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا
إِذًا؟ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ،
وَهُوَ نَاصِرِي". قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي
الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ
أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟" قَالَ: قُلْتُ: لا. قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ". قَالَ: فَأَتَيْتُ
أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟
قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ:
أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِوَلَيْسَ يَعْصِي
رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى
الْحَقِّ.



فلم يكن هذا الموقف من عمر شكًّا أو ريبة فيما آلت إليه الأمور، بل طلبًا لكشف
ما خفي عليه، وحثًّا على إذلال الكفار لما عرف من قوته في نصرة الإسلام.



إيجابية عمر في خروج المسلمين عند الكعبة :


لما أسلم عمر بن الخطاب t قال لرسول الله: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى
الْحَقِّ إِنْ مِتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: "بَلَى يَا عُمَرُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ عَلَى
الْحَقِّ، إِنْ مِتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ". قَالَ: فَفِيمَ الاخْتِفَاءُ؟
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ. وكان رسول اللهرأى على ما يبدو أنه قد آن الآوان
للإعلان، وأن الدعوة التي كانت كالوليد الضعيف الذي لا بد له من الرعاية والحفظ، قد
غدت قوية تمشي، وتستطيع أن تدافع عن نفسها فأذن بالإعلان.



وخرج الرسولفي صفين، عمر في أحدهما، وحمزة على
الآخر، ولهم كديد ككديد الطحين، حتى دخل المسجد فنظرت قريش إلى عمر وحمزة فأصابتهم
كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهيومئذ الفاروق.



مراجعة عمر للنبي:


قال عمر t: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ
اللَّهِإِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ
وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ
اللَّهِالْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ،
فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا
وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ
الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ". فَمَا
زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ
رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ
فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا
وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلائِكَةِ.. فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا
سَبْعِينَ.. فاستشار رسول الله: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِلأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاءِ الأُسَارَى؟", فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ
تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى
اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا تَرَى يَا
ابْنَ الْخَطَّابِ؟" قُلْتُ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى
الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ
أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ،
وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلانٍ -نَسِيبًا لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ
هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا.



فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ
مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِوَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ
يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي
أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً
تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَبْكِي
لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ
عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ
نَبِيِّ اللَّهِ ", وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ
لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].
فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ.



مراجعة عمر لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما :


من إيجابيات الفاروق t مراجعته لأبي بكر الصديق في
إقطاع الصديق للأقرع بن حابس وعينية بن حصن.



و جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر t
فقالا: يا خليفة رسول الله، إن عندنا أرضا سبحة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت
أن تقطعنا لعلنا نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر
لمن حوله: ما تقولون فيما قالا، إن كانت أرضًا سبحة لا يُنتفع بها؟ قالوا: نرى أن
تقطعهما إياها، لعل الله ينفع بها بعد اليوم. فأقطعهما إياها، وكتب لهما بذلك
كتابًا، وأشهد عمر، وليس في القوم، فانطلقا إلى عمر يشهدانه، فوجداه قائمًا يهنأ
بعيرًا له، فقالا: إن أبا بكر أشهدك على ما في الكتاب فنقرأ عليك أو تقرأ؟ فقال:
أنا على الحال الذي تريان، فإن شئتما فاقرءا وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ، فأقرأ
عليكما قالا: بل نقرأ فقرءا فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليه
فمحاه، فتذمرا، وقالا مقالة سيئة، فقال: إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ
ذليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فأجهدا جهدكما، لا رعى الله عليكما إن رعيتما.




فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟
فقال: لا، بل هو لو كان شاء؛ فجاء عمر وهو مغضب، فوقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن
هذه الأرض التي أقطعتها هذين أرض، هي لك خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين
عامة. قال: فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين
حولي فأشاروا علي بذلك.



قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، فكل المسلمين أوسعتهم مشورة ورضًا. فقال أبو
بكر t: قد كنتُ قلتُ لك إِنَّك على هذا أقوى مني، ولكن
غلبتني.



الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عمر بن الخطاب:


إن اهتمام الفاروق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظل معه حتى وهو يواجه الموت
بكل آلامه وشدائده، ذلك أن شابًّا دخل عليه لما طعن، ليواسيه، وقال: أبشر يا أمير
المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله، وقِدَم في
الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، قال -أي عمر-: وددت أن ذلك كفاف، لا
عليّ ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علَيّ الغلام، قال: يا ابن
أخي، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك.



وهكذا لم يمنعه t ما هو فيه من سكرات الموت عن الأمر
بالمعروف، ولذا قال ابن مسعود t فيما رواه عمر بن شبة:
يرحم الله عمر لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق.



ومن عنايته الفائقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الحالة أيضًا لما
دخلت عليه حفصة رضي الله عنها فقالت: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله، ويا أمير
المؤمنين، فقال عمر لابن عمر رضي الله عنهما: يا عبد الله، أجلسني فلا صبر لي على
ما أسمع. فأسنده إلى صدره، فقال لها: إني أُحَرِّج عليك بما لي عليك من الحق أن
تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينك فلن أملكها.



وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ، عَوَّلَتْ عَلَيْهِ
حَفْصَةُ، فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ، أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِيَقُولُ: "الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ". وَعَوَّلَ عَلَيْهِ
صُهَيْبٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ
عَلَيْهِ يُعَذَّبُ.



موقف عمر t عام الرمادة :


من إيجابيات الفاروق عمر t، أنه ضرب المثل والقدوة
للمسلمين في عام الرمادة.



جيء لعمر بن الخطاب في عام الرمادة بخبز مفتوت بسمن فدعا رجلاً بدويًّا ليأكل
معه، فجعل البدوي يتبع باللقمة الودك في جانب الصفحة، فقال له عمر: كأنك مقفر من
الودك، فقال البدوي: أجل، ما أكلت سمنًا ولا زيتًا، ولا رأيت أكلاً له منذ كذا وكذا
إلى اليوم، فحلف عمر لا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يحيا الناس، ولقد أجمع الرواة
جميعًا أن عمر كان صارمًا في الوفاء بهذا القسم، ومن ذلك، أنه لما قدمت إلى السوق
عكة سمن ووطب من لبن، فاشتراهما غلام لعمر بأربعين درهمًا ثم أتى عمر فقال: يا أمير
المؤمنين قد أبر الله يمينك وعظم أجرك، وقدم السوق وطب من لبن وعكة من سمن ابتعتهما
بأربعين درهمًا، فقال عمر: أغليت فتصدق بهما، فإني أكره أن آكل إسرافًا.



ثم أردف قائلاً: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم. فهذه جملة واحدة
في كلمات مضيئة، يوضح فيها الفاروق مبدأ من أروع المبادئ الكبرى التي يمكن أن
تعرفها الإنسانية في فن الحكم: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسني ما مسهم. وقد
تأثر عمر في عام الرمادة حتى تغير لونه t فعن عياض بن
خليفة قال: رأيت عمر عام الرمادة وهو أسود اللون، ولقد كان رجلاً عربيًّا يأكل
السمن واللبن فلما أمحل الناس حرمهما، فأكل الزيت حتى غير لونه وجاع فأكثر، وعن
أسلم قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله تعالى المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت
همًّا بأمر المسلمين، وكان t يصوم الدهر، فكان عام
الرمادة، إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد بالزيت إلى أن نحر يومًا من الأيام جزورًا،
فأطعمها الناس، وعرفوا له طيبها، فأتي به، فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: أنى
هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم. قال: بخ بخ بئس الوالي
أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها، ارفع هذه الصحفة هات لنا غير هذا الطعام.
فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك بالزيت، ثم قال: ويحك يا يرفأ، احمل هذه
الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ -اسم مكان- فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام وأحسبهم
مقفرين، فضعها بين أيديهم.



هذا هو الفاروق وهذا هو فن الحكم في الإسلام يؤثر الرعية على نفسه، فيأكلون
خيرًا مما يأكل، وهو الذي يحمل من أعباء الحكم والحياة أضعاف ما يحملون، ويعاني من
ذلك أضعاف ما يعانون، وهو في ذلك لا يضع القيود على نفسه وحدها، بل يسير بها ليقيد
أفراد أسرته، فهم أيضًا يجب أن يعانوا أكثر مما يعاني الناس، وقد نظر ذات يوم في
عام الرمادة فرأى بطيخة في يد ولد من أولاده, فقال له على الفور: بخ بخ يا ابن أمير
المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمة محمد هَزْلى؟ فخرج الصبي هاربًا يبكي، ولم يسكت عمر
إلا بعد أن سأل عن ذلك وعلم أن ابنه اشتراها بكف من نوى.



لقد كان إحساسه بمسئولية الحكم أمام اللهيملك عليه شعاب
نفسه، فلم يترك وسيلة في الدين، والدنيا يواجه بها الجدب وانقطاع المطر إلا لجأ
إليها، فكان دائم الصلاة، دائم الاستغفار، دائم الحرص على توفير الأقوات للمسلمين،
يفكر في رعيته، من زحف منهم إلى المدينة، ومن بقي منهم في البادية، ويواجه العبء
كله في كفاءة واقتدار. ثم بعد ذلك قسوة على النفس ما أروعها من قسوة، حتى قال من
أحاط به في تلك الأزمة: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت همّا
بأمر المسلمين.



معسكرات اللاجئين عام الرمادة :


عن أسلم قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كل ناحية فقدموا المدينة، فكان
عمر قد أمر رجالاً يقومون بمعالجتهم، فسمعته يقول ليلة: أحصوا من يتعشى عندنا.
فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأجمعوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا
أربعين ألفًا. ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفًا فما برحوا حتى أرسل الله
السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم من يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتًا
وحملانًا إلى باديتهم، وكان قد وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر
تقوم إليها العمال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد، وهنا نرى الفاروق
t يقسم وظائف العمل على العاملين، وينشئ مؤسسة اللاجئين
بحيث يكون كل موظف عالمًا بالعمل الذي كلفه به دون تقصير فيه، ولا يتجاوز إلى عمل
آخر مسند إلى غيره..



فقد عيّن أمراء على نواحي المدينة لتفقد أحوال الناس الذين اجتمعوا حولها طلبًا
للرزق لشدة ما أصابهم من القحط والجوع، فكانوا يشرفون على تقسيم الطعام والإدام على
الناس وإذا أمسوا اجتمعوا عنده فيخبرونه بكل ما كانوا فيه، وهو يوجههم، وكان عمر
يُطْعم الأعراب من دار الدقيق وهي من المؤسسات الاقتصادية التي كانت أيام عمر توزع
على الوافدين على المدينة الدقيق والسويق، والتمر، والزبيب من مخزون الدار قبل أن
يأتي المدد من مصر والشام والعراق، وقد توسعت دار الدقيق لتصبح قادرة على إطعام
عشرات الألوف الذين وفدوا على المدينة مدة تسعة أشهر، قبل أن يحيا الناس بالمطر،
وهذا يدل على عقلية عمر في تطوير مؤسسات الدولة سواء كانت مالية، أو غيرها، وكان
t يعمل بنفسه في تلك المعسكرات.

قال أبو هريرة: يرحم الله ابن حنتمة، لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره
جرابين، وعكة زيت في يده وإنه ليعتقب -أي يتناوب- هو وأسلم فلما رآني قال: من أين
يا أبا هريرة؟ قلت: قريبًا. قال: فأخذت أعقبه -أعاونه- فحملناه حتى انتهينا إلى
ضرار فإذا صرم -جماعة- نحو من عشرين بيتًا من محارب فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا:
الجهد. قال: وأخرجوا لنا جلد ميتة مشوية كانوا يأكلونها، ورمة العظام مسحوقة كانوا
يسفونها قال: فرأيت عمر طرح رداءه ثم نزل يطبخ لهم ويطعمهم حتى شبعوا، ثم أرسل أسلم
إلى المدينة، فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبانة، ثم كساهم، ثم لم يزل
يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.



وكان t يصلي بالناس العشاء ثم يخرج إلى بيته فلا يزال
يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب، فيطوف عليها وقد ذكر عبد الله بن عمر بأنه قال: وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول:
اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي. ويقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين وارفع عنا
البلاء. يردد هذه الكلمات.



وقال مالك بن أوس -من بني نصر-: لما كان عام الرمادة قدم على عمر قومي وهم مائة
بيت فنزلوا الجبانة، فكان عمر يطعم الناس, من جاءه، ومن لم يأت أرسل إليه الدقيق
والتمر والأدم إلى منزله، فكان يرسل إلى قومي بما يصلحهم شهرًا بشهر؟ وكان يتعهد
مرضاهم وأكفان من مات منهم، ولقد رأيت الموت وقع فيهم حتى أكلوا الثفل وكان عمر
t يأتي بنفسه فيصلي عليهم، لقد رأيته صلى على عشرة
جميعًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:38 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  373_image002إذا
ذُكِر عمر ذُكر العدل، وإذا ذُكر العدل ذُكر عمر.



روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ
جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ"[1].



من دلائل اتصاف الفاروق بالعدل أنه لا يخاف في الله لومة لائم، ويقيم الحدود على
القريب والبعيد، الحبيب والغريب حتى إنه ليضرب به المثل في ذلك الأمر.



يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر،
وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب t فسكرا.



فلما صحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شراب
شربناه.

قال عبد الله بن عمر: فلم أشعر أنهما أتيا عمرو بن العاص، قال: فذكر لي أخي أنه
قد سكر فقلت له: ادخل الدار أطهرك، قال: إنه قد حدث الأمير.



قال عبد الله: فقلت: والله لا تحلق اليوم على رءوس الناس، ادخل أحلقك وكانوا إذا
ذاك يحلقون مع الحد، فدخل معي الدار. قال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهما عمرو
بن العاص، فسمع عمر بن الخطاب t بذلك فكتب إلى عمرو: أن
ابعث إليّ عبد الرحمن بن عمر على قتب.



ففعل ذلك عمرو، فلما قدم عبد الرحمن المدينة على أبيه الفاروق عمر t جلده، وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث أشهرًا صحيحًا،
ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.



فالفاروق t لا يبالي على من وقع الحق، على ولده أم على
غيره من الناس، فهو رجل لا تأخذه في الله لومة لائم، لذلك كان ينهى أهله أشد النهي
حذرًا من وقوعهم في مخالفته.



يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال: إني
قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم
وقعوا، وإن هبتم هابوا، وايم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت
عليه العقوبة، لمكانه مني فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر[2].



قمة العدل في عهد عمر t :


وغزت بعض جيوشه بلاد فارس حتى انتهت إلى نهر ليس عليه جسر فأمر أمير الجيش أحد
جنوده أن ينزل في يوم شديد البرد لينظر للجيش مخاضة يعبر منها، فقال الرجل: إني
أخاف إن دخلت الماء أن أموت.



دخل الرجل الماء وهو يصرخ: يا عمراه يا عمراه، ولم يلبث أن هلك فبلغ ذلك عمر وهو
في سوق المدينة، فقال: يا لَبَيَّكَاه يا لَبَّيْكَاه، وبعث إلى أمير ذلك الجيش
فنزعه، وقال: لولا أن تكون سنة لقدت منك، لا تعمل لي عملاً أبدًا.



يقول فضيل بن زيد الرقاشي رحمه الله: وقد كان غزا على عهد عمر بن الخطاب t سبع غزوات: بعث عمر جيشًا، فكنت في ذلك قلنا: نرجع فنقيل، ثم
نخرج فنفتحها.



فلما رجعنا تخلف عبد من عبيد المسلمين، فراطنهم فراطنوه، فكتب لهم كتابًا في
صحيفة، ثم شده في سهم فرمى به إليهم، فخرجوا فلما رجعنا من العشي وجدناهم قد خرجوا،
قلنا لهم: ما لكم؟



قالوا: أمنتمونا. قلنا: ما فعلنا، إنما الذي أمنكم عبد لا يقدر على شيء، فارجعوا
حتى نكتب إلى عمر بن الخطاب. فقالوا: ما نعرف عبدكم من حُرِّكم، وما نحن براجعين،
إن شئتم فاقتلونا، وإن شئتم ففوا لنا. قال: فكتبنا إلى عمر أن عبد المسلمين من
المسلمين، ذمته ذمتهم؟ قال: فأجاز عمر أمانه.



إن إقامة العدل بين الناس -أفرادًا وجماعات ودولاً- ليست من الأمور التطوعية
التي تترك لمزاج الحاكم أو الأمير وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين
الإسلامي تعد من أقدس الواجبات وأهمها، وقد اجتمعت الأمة على وجوب العدل، قال الفخر
الرازي: أجمعوا على أن من كان حاكمًا وجب عليه أن يحكم بالعدل.

وهذا الحكم تؤيده النصوص القرآنية والسنة النبوية، فإن من أهداف دولة الإسلام
إقامة المجتمع الإسلامي الذي تسود فيه قيم العدل والمساواة، ورفع الظلم ومحاربته
بجميع أشكاله وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه
أن يصل إليه بأيسر السبل وأسرعها دون أن يكلفه ذلك جهدًا أو مالاً، وعليها أن تمنع
أي وسيلة من الوسائل التي من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إليه، وهذا ما فعله
الفاروق في دولته، فقد فتح الأبواب على مصارعها لوصول الرعية إلى حقوقها، وتفقد
بنفسه أحوالها، فمنعها من الظلم ومنعه عنها، وأقام العدل بين الولاة والرعية، في
أبهى صورة عرفها التاريخ فقد كان يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ولا يهمه أن يكون
المحكوم عليهم من الأقرباء أو الأعداء أو الأغنياء أو الفقراء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ
بِالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].



لقد كان الفاروق قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة
عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل
بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد
تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا
من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النجاح الكبير عدة أسباب
ومجموعة من العوامل منها:



1- أن مدة خلافته كانت أطول من مدة خلافة أبي بكر بحيث تجاوزت عشر سنوات في حين
اقتصرت خلافة أبي بكر على سنتين وعدة شهور فقط.



2- أنه كان شديد التمسك بالحق حتى إنه كان على نفسه وأهله أشد منه على الناس كما
رأينا.



3- أن فقه القدوم على الله كان قويًّا عنده لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به
يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله ولا يخشى أحدًا من الناس.



4- أن سلطان الشرع كان قويًّا في نفوس الصحابة والتابعين بحيث كانت أعمال عمر
تلقى تأييدًا وتجاوبًا وتعاونًا من الجميع.

عدل عمر بن الخطاب مع الجميع :


في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ
الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ
لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ،
ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ
لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ
شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ
الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ[3].



وكان t يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا
قال:



أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما
بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك فليقم، فما قام
أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربني مائة سوط. قال: فيم
ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا
يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد
من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه بمائتي دينار كل سوط
بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده t.



وعن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك
من الظلم قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني
بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه،
فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن
الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا
أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين
إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد
ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني[4].



لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا
ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.. بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال.



وأما مبدأ المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي
أقرها الإسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].



إن الناس جميعًا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب
والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون
أو النسب أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة
الفاروق لهذا المبدأ خير شاهد.



مبدأ المساواة في عهد عمر بن الخطاب :t




هذه بعض المواقف التي جسدت مبدأ المساواة في دولته:


لم يقتصر مبدأ المساواة في التطبيق عند خلفاء الصدر الأول على المعاملة الواحدة
للناس كافة، وإنما تعداه إلى شئون المجتمع الخاصة، ومنها ما يتعلق بالخادم
والمخدوم، فعن ابن عباس أنه قال: قدم عمر بن الخطاب حاجًّا، فصنع له صفوان بن أمية طعامًا، فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين يدي
القوم يأكلون وقام الخدام فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا
والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضبًا شديدًا، ثم قال: ما
لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل. ثم قال للخادم: اجلسوا فكلوا، فقعد
الخدام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.



ومن صور تطبيق المساواة بين الناس ما قام به عمر عندما جاءه مال فجعل يقسمه بين
الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبى وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه
بالدّرّة وقال: إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان
الله لن يهابك. فإذا عرفنا أن سعدًا كان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأنه فاتح
العراق، ومدائن كسرى، وأحد الستة الذين عينهم للشورى؛ لأن رسول اللهمات وهو راض عنهم، وأنه كان يقال له:
فارس الإسلام، عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.



وكما رأينا أن عمرو بن العاص، أقام حد الخمر على عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب،
يوم كان عامله على مصر. ومن المألوف أن يقام الحد في الساحة العامة للمدينة، لتتحقق
من ذلك العبرة للجمهور، غير أن عمرو بن العاص أقام الحد على ابن الخليفة في البيت،
فلما بلغ الخبر عمر كتب إلى عمرو بن العاص: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى
العاص بن العاص: عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك عليّ، وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت
فيك أصحاب بدر عمن هو خير منك، واخترتك لجدالك عني وإنفاذ مهدي، فأراك تلوثت بما قد
تلوثت، فما أراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، وقد عرفت أن هذا
يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن
قلت: هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله
عليه، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع. وقد تم
إحضاره إلى المدينة وضربه الحد جهرًا (روى ذلك ابن سعد، وأشار إليه ابن الزبير،
وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطولاً).



فهكذا نرى المساواة أمام الشريعة في أسمى درجاتها، فالمتهم هو ابن أمير
المؤمنين، ولم يعفه الوالي من العقاب، ولكن الفاروق وجد أن ابنه تمتع ببعض الرعاية،
فآلمه ذلك أشد الألم، وعاقب واليه -وهو فاتح مصر- أشد العقاب وأقساه. وأنزل بالابن
ما يستحق من العقاب، حرصًا على حدود الله، ورغبة في تأديب ابنه وتقويمه.



بين عمر t وجبلة بن الأيهم :


من الأمثلة التاريخية الهامة التي يستدل بها المؤلفون على عدم الهوادة في تطبيق
المساواة، ما فعله عمر مع جبلة بن الأيهم وهذه هي القصة:



كان جبلة آخر أمراء بني غسان من قبل هرقل وكان الغساسنة يعيشون في الشام تحت
إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائمًا على غزو الجزيرة العربية، وخاصة بعد
نزول الإسلام. ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على
الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل
الإسلام هو أيضًا، فأسلم وأسلم ذووه معه.



وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء
إلى المدينة وأقام بها زمنًا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج،
وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطئ إزاره رجل من بني فزارة فحله، وغضب الأمير
الغساني لذلك -وهو حديث عهد بالإسلام- فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، فأسرع الفزاري
إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، فأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله
فأقر بما حدث، فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب
بأنه قد ترفق كثيرًا بهذا البدوي وأنه لولا حرمة البيت الحرام لقتله، فقال له عمر:
لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أن أقتص له منك.



وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك.
فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما. فقال الأمير الغساني: لقد ظننت يا أمير
المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك
إن لم تُرضِ الرجل اقتصصت له منك. فقال جبلة: إذًا أتَنَصّر. فقال عمر: إذا تنصرت
ضربت عنقك، لأنك أسلمت فإن ارتددت قتلتك.



وهنا أدرك جبلة أن الجدال لا فائدة منه، وأن المراوغة مع الفاروق لن تجدي، فطلب
من الفاروق أن يمهله ليفكر في الأمر، فأذن له عمر بالانصراف، وفكر جبلة بن الأيهم
ووصل إلى قرار، وكان غير موفق في قراره، فقد آثر أن يغادر مكة هو وقومه في جنح
الظلام، وفر إلى القسطنطينية، فوصل إليها متنصرًا، وندم بعد ذلك على هذا القرار أشد
الندم.



فلما بعث عمر رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير
الإسلام, فلما أراد العود قال له هرقل: أَلَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا؟ يعني
جبلة. قال: ما لقيته. قال: ألقه، ثم ائتني أعطك جوابك.



فذهب رسول عمر إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع
مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فدخلت عليه فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال،
وكان عهدي به أسود اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب
فذرها في لحيته حتى عُدَّ أصهب، وهو قاعد على سرير قوائمه أربعة أسودٍ من ذهب، فلما
عرفني رفعني معه على السرير، وجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرًا، وقلت له: قد
تضاعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: وكيف تركت عمر بن الخطاب؟ قلت له: بخير. فأغمه
ذلك.



وانحدرتُ عن السرير فقال: لِمَ تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول
اللهنهى عن هذا قال: نعم،، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على
ما قعدت. فلما صلى على النبيطمعت به فقلت: ويحك يا جبلة ألا تسلم
وقد عرفت الإسلام وفضله؟ فقال: أَبَعْدَ ما كان مني؟ قلت: نعم، فعل ذلك رجل من بني
فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام وضرب وجوه الإسلام بالسيف، ثم رجع إلى
الإسلام، فقُبل ذلك منه، وخلفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي
أن يزوجني عمر ابنته، ويوليني الأمر بعده رجعت إلى الإسلام. فضمنت له التزويج، ولم
أضمن الأمر، فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعًا فإذا خدم قد جاءوا يحملون
الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل. فقبضت يدي
وقلت: إن رسول اللهنهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة.
قال: نعم،، ولكن نَقِ قلبك وكل فيما أحببت. فأكل
في الذهب والفضة، وأكلت في الخلبخ، فلما رفع بالطعام جيء بطساس الفضة وأباريق
الذهب.



فقال: اغسل يدك. فأبيت، وغسل في الذهب والفضة، وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم
بين يديه، فمر مُسرعًا فسمعت حِسّا، فالتفت فإذا خدم معهم كراسٍ مرصعة بالجوهر،
فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حِسًّا، فالتفت فإذا عشر جوارٍ قد
أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، ولم أر قط وجوهًا أحسن
منهن، فأقعدهن على الكراسي، ثم سمعت حِسًّا فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس حسنًا
على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جام فيه مسك
وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء وردٍ، فأومأت إلى الطائر -أو قال: صفرت
بالطائر- فوقع في جام الماورد، فاضطرب فيه، ثم أومأت إليه، فوقع في جام المسك
والعنبر، فتمرغ فيه، ثم أومأت إليه -أو قال: صفرت به- فطار حتى نزل على صليب في تاج
جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت
أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال لهن: بالله أضحكننا. فاندفعن
يغنين بخفق عيدانهن ويقلن -من الكامل:



لله در عصابة نادمتـهم *** يومًا بجـلق في الزمـان الأول



يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفق بالرحيق السلسل



أولاد جفنة حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الجواد المفضـل



يغشون حتى ما تهر كلابهم *** لا يسألون عن السواد المقبـل



بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *** شم الأنوف من الطراز الأول



قال: فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله.



ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يساره، فقال لهن: أبكيننا. فاندفعن يغنين بخفق
عيدانهن ويقلن -من الخفيف:



لمن الدار أقفرت بمعان *** بين أعلى اليرموك فالجـمـان



ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر *** محلاً لحادثـات الـزمان



قد أراني هناك دهرًا مكينًا *** عند ذي التاج مقعدي ومكاني



ودنا الفصح والولائد ينظمـ *** ـن سراعًا أكلة المرجان



قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذه الأبيات؟
قلت: لا. قال: حسان بن ثابت.



ثم أنشأ يقول -من الطويل:



تنصرت الأشراف من أجل لطمةٍ *** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر



تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ *** وبعت لها العين الصحيحـة بالعــور



فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *** رجعت إلى القول الـذي قاله عـمر



ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ *** وكنت أسيرًا في ربيعة أو مضـر[5]

ويعود الرسول إلى عمر بن الخطاب t، ثم يرجع إلى جبلة
فيجد الناس قد فرغوا من جنازته فيعلم أنه قد كتب عليه الشقاء.



وفي هذه القصة نرى حرص الفاروق على مبدأ المساواة أمام الشرع، فالإسلام قد سوى
بين الملك والسوقة، ولا بد لهذه المساواة أن تكون واقعًا حيًّا وليس مجرد كلمات
توضع على الورق أو شعار تردده الألسنة.



لقد طبق عمر t مبدأ المساواة الذي جاءت به شريعة رب
العالمين وجعله واقعًا حيًّا يعيش ويتحرك بين الناس، فلم يتراجع أمام عاطفة الأبوة،
ولم ينثن أم ألقاب النبالة، لقد كان ذلك المبدأ العظيم واقعًا حيًّا شعر به كل حاكم
ومحكوم، ووجده كل مقهور وكل مظلوم. لقد كان لتطبيق مبدأ المساواة أثره في المجتمع
الراشدي فقد أثر الشعور بها على نفوس ذلك الجيل فنبذوا العصبية التقليدية، من
الادعاء بالأولوية والزعامة، والأحقية بالكرامة، وأزالت الفوارق الحَسَبية
الجاهلية، ولم يطمع شريف في وضيع، ولم ييأس ضعيف من أخذ حقه، فالكل سواء في الحقوق
والواجبات، لقد كان مبدأ المساواة في المجتمع الراشدى نورًا جديدًا أضاء به الإسلام
جنبات المجتمع الإسلامي، وكان لهذا المبدأ الأثر القوي في إنشائه.



ومن عدله t عدم تقييده حرية أبي لؤلؤة مع شكه في
أمره.



ومن عدله t عدم قتله للهرمزان مع كونه قاتل البراء
ومجزأة؛ لأنه أمنه.



وحياة عمر بن الخطاب t تمتلئُ بمثل هذه المواقف التي
تدل دلالة واضحة على عدله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:42 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  375_image002قد
يتبادر إلى ذهن البعض أن المقصود بفقه عمر معرفته بجوانب من فقه العبادات كالطهارة
وغيرها، ولكن المقصود هنا هو الفقه بمعناه الواسع، أي دقة الفهم المراد في حديث
النبي"مَنْ يُرِدِ
اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". أي يرزقه فهمًا صحيحًا
يدرك به حقائق الشريعة، وأصول الأحكام، وقد رزق الله عمر هذا النوع من الفقه.



من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب t أنه أوتي الدين،
والفقه، والشيء العظيم من العلم، عمر t كان رجلًا ملهمًا،
ربانيًا، وهذا لا يأتي إلا من الإخلاص مع اللهفي السرائر والعلن،
وأن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه وخير من يتصف بهذه الصفات هم صحابة رسول اللهومنهم الفاروق عمر بن الخطاب t.



هذا العبقري الفذ أوتي ذكاءً مبدعًا متوقدًا، أفاضه عليه ربه سبحانه فكانت
الحكمة تخرج من نواحيه، وارتفع الفاروق t إلى أعلى مستويات
الذكاء الإنساني وشجاعة التفكير، وحسن التعليل، فالتقت في عبقريته أعمق رؤى البصيرة
وأدق أسرار الشريعة.



الرسول والصحابة يشهدون لعمر بن الخطاب بالعلم والفقه :


ولقد أشاد الرسولبهذه النعمة التي حباها الله عمر، ونبه
الصحابة على ما عنده لينهلوا منها، فقال: "بَيْنَا أَنَا
نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ
يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
"الْعِلْمُ"[1].




قال عبد الله بن مسعود: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان،
ووضع علم الأرض في كفة لرجح علم عمر، وقال أيضًا: إني لأحسب عُمر قد ذهب بتسعة
أعشار العلم.



فقد كان t حريصًا على حضور مجالس العلم بين يدي
الرسوللا يترك واحدة منها تفوته.



قال عمر: "كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة
وكنا نتناوب النزول على رسول اللهينزل يومًا وأنزل يومًا،
فإذا نزلت جئت بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك".



وها هو يحث غيره على الفقه :


عن سفيان قال: قال الأحنف: قال لنا عمر بن الخطاب: "تفقهوا قبل أن تسودوا". قال
سفيان: لأن الرجل إذا أفقه لم يطلب السؤدد[2].



ولم يكن عمر بالذي يحفظ العلم دونما فقه، ويحمله داخل عقله فتاوى جامدة، بل كان
يتمتع بنظر ثاقب، وفهم سديد، يتحرك في كل الجهات يعرف لكل موقف ما يناسبه، وقد
وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها في ذلك فقالت: "كان والله أحوذيًّا،
نسيج وحده، فقد أعد للأمور أقرانها".



وذكاء عمر واسع عميم، ونظراته الثاقبة تجلي كل غامض، وتدخل الحنايا فتكشف
الخفايا، وتنفذ إلى غور الأمور، وكان عليمًا بأحداث الدنيا وأسرار الحياة.



وكان عمر t ذا فقه عظيم بطبائع النفوس، لا تغره
المظاهر، ولا يكتفي بالنظرة العابرة لتكوين أحكام على الآخرين فهو يقضي بذكائه لا
بعواطفه، ولا يرضى بأحكام جزئية ممزقة، بل تتراحب أبعاد فكره الوقاد، لإيجاد الحلول
الناجحة للمشاكل الواقعة.



يروي أبو وائل شقيق بن سلمة فيقول: حدثني الصبي بن معبد -وكان رجلاً من بني
تغلب- قال: إن رجلا كان نصرانيا يقال له الصبي بن معبد أسلم فأراد الجهاد فقيل له
ابدأ بالحج فأتى الأشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ففعل فبينما هو يلبي إذ
مر يزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله
فسمعها الصبي فكبر ذلك عليه فلما قدم أتى عمر فذكر ذلك له فقال له عمر t: "هديت لسنة نبيك". قال: وسمعته مرة أخرى يقول: "وفقت لسنة
نبيك".



وفي رواية فأقبل عمر عليهما، فلامهما ثم أقبل عليّ فقال. فذكره. فمن سنة
النبيالقران بين الحج والعمرة، وهو الجمع
بينهما، فكأن من اعترض على ذلك لم يكن له العلم بالمسألة، أو ظن أنها من الأحكام
المنسوخة.



ويستشعر المرء من كلمات الفاروق t الحرص على اتباع
السنة، وتعليماتها.



فإن قلت: كان عمر t يمنع من الجمع، فكيف قرره على ذلك
بأحسن تقرير؟



قلت: كأن عمر t يرى جواز ذلك لبعض المصالح، ويرى أنه
جوز النبيلذلك، فكأنه كان يرى أن من عرض له
مصلحة اقتضت الجمع في صفة، فالجمع في حقه سنة، والله أعلم. وهذا فيه ما فيه من
الفقه العميق لعمر t.



وكان عبد الله بن مسعود t يخطب ويقول: "إني لأحسب عمر
بين عينيه ملك يسدده ويقويه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر، أن يحدث حدثًا
فيرده".



قيل: يغفر الله لك أنت أحق، أنت صاحب رسول الله. فقال: ويحك إني سمعت رسول اللهيقول: "إِنَّ
اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ يَقُولُ
بِهِ".



وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال عمر بن
الخطاب، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر.



وكان علي t يقول: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان
عمر t.



وفي رواية أخرى: لقد كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه.



العوامل التي ساعدت عمر بن الخطاب على تحصيل العلم :


لقد بذل الفاروق جهدا مضنيا حتى يحصل هذا الكم الكبير من العلوم وقد كان t على علم بأسباب النزول.



حفظ عمر القرآن كله. في الفترة التي بدأت بإسلامه، وانتهت بوفاة الرسول، وقد حفظه مع أسباب التنزيل إلا ما
سبق نزوله قبل إسلامه، فذلك مما جمعه جملة، ولا مبالغة إذا قلنا إن عمر كان على علم
كثير بأسباب النزول، لشدة اتصاله بالتلقي عن رسول الله، ثم هو قد حفظ منه ما فاته، فأن يُلم
بأسباب النزول والقرآن بكر التنزيل، والحوادث لا تزال تترى فذلك أمر يسير.



وقد كان عمر سببًا في التنزيل لأكثر من آية بعضها متفق على مكيته وبعضها مدني،
بل كان بعض الآيات يحظى من عمر بمعرفة زمانه ومكانه على وجه دقيق قال عن هذه الآية:
{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].



قال الفاروق عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها على رسول
الله، عشية عرفة في يوم جمعة.



ولا ننس ونحن في سياق الكلام عن تميز عمر بن الخطاب بكثرة العلم أنه كان أحد
سبعة عشر رجلا في قريش يعرفون القراءة والكتابة مما جعله مؤهلا لحمل هذا الكم
الكبير من العلوم والمعارف.



ولم يتمتع عمر t بالعلم والفقه إلا بعد أن كابد في سبيل
هذا العلم والفقه، وتجرع آلام تحصيله، وترك فراش نومه كثيرًا، ولازم رسول
اللهكثيرًا، فلا ينال العلم إلا من مصاحبة
العلماء، وخير من تميز بهذه الصفة هو الفاروق عمر بن الخطاب t الذي لازم الرسولطيلة حياته، وكان يشاركه
الآراء، ومما ساعده أيضًا على تحصيل العلم:



1- حب عمر بن الخطاب للنبي:


أول الأشياء التي تدل على أن صاحبها يريد العلم النافع هي حب الرسول، والدفاع عنه بكل ما يملك، ويجود
بنفسه رخيصة ولا يشاك رسول اللهبشوكة بسيطة.



والمواقف والأحداث تشير إلى حبه العميم، والمتدفق، فلا يكاد يشم رائحة إهانة
النبيإلا ويشهر سيفه (دعني أقطع عنقه يا
رسول الله) ويهدئ الرسولمن روع عمر، ويطلب إليه الهدوء،
والنبييعلم أن ما حمل عمر على هذا التصرف إلا
أنه يحب رسوله أشد ما يكون الحب.



لقد كان من بين أسرى بدر العباس بن عبد المطلب عم المعصوموحرص عمر t
على هدايته، وقال له: أسلم يا عباس، فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب.
ولذلك لما رأيت رسول اللهيعجبه إسلامك.



ومن شدة حب عمر بن الخطاب للنبيتظهر منه بعض المواقف التي
تبين شدة هذا الحب وعمقه وتغلغله في نفس هذا الصحابي الجليل وليفصح لنا أبو هريرة عن هذا الأمر العجيب..



يقول أبو هريرة t لما توفي رسول اللهقام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالاً من
المنافقين يزعمون أن رسول اللهقد توفي، فإن رسول
اللهوالله ما مات. ولكنه ذهب إلى ربه، كما
ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات،
والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول
اللهقد مات.



ويقول أبو هريرة: وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر وعمر
يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول اللهوهو مسجى في ناحية البيت عليه بردة
حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول اللهثم أقبل عليه فقبله، ثم قال:
بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة
أبدًا.



ثم رد الصديق البرد على وجه الرسولوخرج على الناس وقرأ قول
الحق تبارك وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى
أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا
وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:
144]. فقال عمر: فو الله ما هو إلا أن سمعت أن أبا بكر تلاها فعقرت، حتى
وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول اللهقد مات[3].



عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر
ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين،
فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثيابًا غير ثيابه، ثم جاء
فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله. فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما
صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله. ففعل ذلك العباس. رواه أحمد.



فقد لازم الفاروق رسول اللهفي مكة بعد إسلامه، كما
لازمه كذلك في المدينة المنورة -حيث سكن العوالي- وهي ضاحية من ضواحي المدينة وفي
هذه الضاحية نظم عمر نفسه، وحرص على أن يتعلم في مدرسة النبوة في فروع شتى من
المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها، وقد كان لا يفوته علم من قرآن أو
حديث، أو أمر أو حدث أو توجيه، قال عمر: "كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية
بن زيد -وهي من عوالي المدينة- وكنا نتناوب النزول على رسول اللهينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئت
بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك".



وهذا الخبر يوقفنا على الينبوع المتدفق، الذي استمد منه عمر علمه وتربيته،
وثقافته، وهو كتاب الله الحكيم، الذي كان ينزل على رسول اللهمنجمًا على حسب الوقائع والأحداث، وكان
الرسوليقرأه على أصحابه الذين وقفوا على
معانيه وتعمقوا في فهمه، وتأثروا بمبادئه، وكان له عميق الأثر في نفوسهم وعقولهم
وقلوبهم وأرواحهم، وكان عمر من هؤلاء الذين تأثروا بالمنهج القرآني في التربية
والتعليم، وعلى كل دارس ومحب لتاريخ عمر t أن يقف وقفة
متأملة أمام هذا الفيض الرباني الصافي، الذي غذّى المواهب وفجر العبقريات.



وقد حرص الفاروق منذ إسلامه على حفظ القرآن الكريم وفهمه وتأمله وظل ملازمًا
للرسوليتلقى عنه ما أنزل عليه، حتى تم له حفظ
جميع آياته وسوره وقد أقرأه الرسولبعضه وحرص على الرواية التي
أقرأه بها الرسولوكان لعمر كثير من الأوقات فضل السبق
إلى سماع بعض آياته فور نزوله.



2- الأخلاق والتواضع :


ثاني الأشياء التي جعلت الفاروق عمر بن الخطاب يصل إلى هذه الدرجة من العلم
والفقه هي إخلاصه t وابتغاؤه بهذا العلم وجه الله. وهذا هو السبب الأول الذي جعله يرتقي
إلى هذه الدرجة العالية من العلم.



يقول رب العزة تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ
وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].



فمن طلب العلم لله بارك الله فيه، ونفعه به، ونفع به المسلمين، وعمر t لم يطلب العلم كي يجاري به العلماء ويماري به السفهاء، ولكن
طلب العلم تقربًا إلى الله؛ لأنه القائل في كتابه العزيز: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ
عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]. فأشد الناس خشية
لله هم العلماء.



وكانت دعوة الرسولفي الكتاب العزيز: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:
114]. لأن العلم يرفع من درجات الإنسان في الدنيا والآخرة، ويرفع الحق تبارك
وتعالى بالعلم أقوامًا ويضع به آخرين. ولا بد لهذا العلم أن يتوج بالأخلاق لأن
العلم وحده لا ينفع ما لم تزينه الأخلاق فعلم بلا أخلاق كشجرة بلا ثمر.



لا تَحَسَبَنَّ الْعِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ *** مَا لَمْ يُتَوَّجُ رَبُّهُ
بِخَلاقِ



وقال الشاعر:



إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ
أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا



لم تمنع المنزلة العالية التي وصل إليها عمر t في الفقه
والعلم من التواضع لله، ولين الجانب لإخوانه، وحسن المعاملة،
وعدم التعالي بهذا العلم. ففي يوم من الأيام يقف عمر على المنبر، ويخطب في الناس أن
رفقًا بالشباب، ودعا الناس إلى التخفيف في المهور، وعدم تحميل الشباب فوق طاقاتهم،
فتقوم امرأة وتقول: يا عمر، يقول رب العزة تبارك وتعالى: {وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا
مُبِينًا} [النساء: 20].



وهنا يقف عمر مع نفسه، ويفكر في الأمر، ولا تمنعه مكانته من إمارة المؤمنين
ومكانته المرموقة بين المسلمين إلا أن يقول: "صدقت امرأة وأخطأ عمر"[4].



أمثلة من فقه عمر بن الخطاب :




فقه الطهارة :


من فقه عمر في الطهارة، أنه يكفي في خروج المذي: غسل الفرج، والوضوء.



يروي أبو عثمان النهدي رحمه الله أن سليمان بن ربيعة تزوج امرأة من عقيل، فرآها
فلاعبها. قال: فخرج منه ما يخرج من الرجل. قال سليمان: أو قال: المذي. قال:
فاغتسلت، ثم أتيت عمر، فقال: ليس عليك في ذلك غسل، ذلك أيسر.



وفي رواية عن عمر t فقال: ليس عليك في ذلك غسل، ذلك
أيسر.



فقه الصلاة :


جمع الناس على إمام واحد في صلاة قيام رمضان، وكانوا يصلون متفرقين على أكثر من
قارئ.



يروي عبد الرحمن بن القاري أنه خرج مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا
الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط.



فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم على
أُبي بن كعب. قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر:
نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يعني آخر الليل، وكان
الناس يقومون أوله.



سجود التلاوة :


من فقه عمر t أن سجود التلاوة ليس بواجب فلا إثم على
تاركه، وإن كان ثواب فاعله عظيمًا.



يقول ربيعة بن عبد الله التميمي رحمه الله: قرأ عمر بن الخطاب t يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل
فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال:
أيها الناس، إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، إن الله
لم يفرض السجود، إلا أن نشاء. ولم يسجد عمر بن الخطاب t.



وفي الخبر من الفوائد: أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة وأنه إذا مر بآية
سجدة ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر، وأن ذلك لا يقطع
الخطبة ووجه ذلك فعل عمر مع حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم.

وهنا نرى الفقه المتوازن الذي يفرق بين الفرض والنفل، ثم التعليم الرائع في كونه
لم يسجد في المرة الثانية مع فضل السجود لكي يثبت للناس عدم فرضيته.



فقه الإمام والمأموم :


قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا
عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن الحارث بن معاوية الكندي، أنه ركب إلى عمر بن
الخطاب t يسأله عن ثلاث خلال قال: فقدم المدينة، فسأله عمر
t: ما أقدمك؟ قال: لأسألك عن ثلاث خلال. قال: وما هن؟ قال:
ربما كنت أنا والمرأة في بناء ضيق فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي كانت بحذائي وإن
صلت خلفي خرجت من البناء؟ فقال عمر: تستر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي بحذائك إن شئت.
وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله. قال: وعن القصص؟ فإنهم أرادوني على
القصص. فقال: ما شئت. كأنه كره أن يمنعه. قال: إنما أردت أن أنتهي إلى قولك. قال:
أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم
بمنزلة الثريا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك[5].



الواقع يفرض أحكامًا جديدة :


لقد كان الاجتهاد في أمور الشريعة هو دأب الفاروق عمر t، يريد الوصول إلى الرأي الصواب، يريد تقديم الحلول التي تجلب
المنفعة للمسلمين والتخفيف عنهم، والتقرب إلى الله، فها هو عمر t يرى أن من الفقه إعطاء المؤلفة قلوبهم في حال الضعف وعدم
إعطائهم في حال القوة، فلم يُعطهم، رغم أن النبيلم يفعل ذلك، ولم
يفعله أبو
بكر الصديق t، ولكن عمر t رأى
أن الإسلام ليس بحاجة إلى هؤلاء المؤلفة قلوبهم، فقد غدا الإسلام قويًّا، يُخشى
بأسه، وتُسمع كلمته في العالم كله.



يقول تعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ
السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].



فقد ذكرت الآية الكريمة الأنواع التي تجب فيها الزكاة، ثمانية أنواع ومنهم
المؤلفة قلوبهم.



ولكن عمر t رأى أن ذلك يكون عندما يكون الإسلام ضعيفًا
يحتاج إلى من يزيد قوته، ولكن الإسلام زمان عمر قد أصبح القوة الأولى في
العالم.



لم يعد الإسلام. بحاجة إلى المؤلفة قلوبهم، فهم عبء على الإسلام وأهله، فاجتهد
عمر t وأبطل سهم المؤلفة قلوبهم ولم ينكر أحد من الصحابة
فعله هذا.



حد السرقة وعام الرمادة :


ومعلوم من سيرة عمر في عام الرمادة أنه لم يقطع سارقًا كما في (المنتقى شرح موطأ
مالك)



ومن فقهه t كما في غريب الحديث لابن سلام[6] حديث عمر أنه أخّر الصدقة عام الرمادة فلما أحيا
الناس في العام المقبل أخذ منهم صدقة عامين.



وهكذا نرى عمر t يجول بفكره في القضايا المعاصرة التي
تطرأ على الدولة الإسلامية إبان خلافته، يقارن ويرجح ويبحث حتى يصل إلى الرأي
الصواب الذي يعود بالخير والإيمان على أمة الإسلام.



فرحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t.



موافقات عمر بن الخطاب للقرآن الكريم:


لقد نزل القرآن الكريم في الكثير من آياته موافقًا لرأي الفاروق عمر t، فلقد كان الحق على لسان عمر وقلبه، فقد كان رجلاً ربانيًّا
راقب ربه في كل أموره، حتى غدا يعبد الله كأنه يراه.



"عن ابن عمر مرفوعًا: ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما
يقول عمر"[7].



وإليك طرفًا من موافقات القرآن الكريم لآراء الفاروق عمر t.



1- أسرى غزوة بدر :


شارك عمر t في غزوة بدر، وعندما استشار رسول اللهأصحابه بعد المعركة في شأن الأسرى، وقد
كان رأي الصديق والرسولفداء الأسرى بالأموال، وتعليم المسلمين
القراءة والكتابة، وكان من رأي الفاروق عمر t قتل هؤلاء
الأسرى.



ونزل القرآن الكريم موافقًا لرأي الفاروق عمر بن الخطاب.



قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ
الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:
67].



2- رأيه في الحجاب :


كان من رأي الفاروق عمر هو وجوب التزام نساء النبيبالحجاب لدخول كثير من الصحابة عليهن
يستفتون الرسول، فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].



"حديث عمر رضي الله تعالى عنه: قلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر
والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت آية الحجاب"[8].



3- الصلاة في مقام إبراهيم :


كان من رأي الفاروق t الصلاة في مقام إبراهيم، ونزل
القرآن الكريم مؤيدًا لرأيه t: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].



أخرج الشيخان عن عمر قال: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ
عَلَى نِسَائِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ يَحْتَجِبْنَ،
فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجِابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ فِي
الْغِيرَةِ، فَقُلْتُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَقَكُنِّ أَنْ
يًبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم:
5]، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ"[9].



4- استئذان الأطفال :


كان من رأي الفاروق t استئذان الأطفال قبل الدخول، عند
بلوغ الأطفال مرحلة الحلم، فنزل القرآن الكريم موافقًا لرأي عمر بن الخطاب t.



"يروى أن رسول اللهبعث غلامًا من الأنصار يقال له: مدلج
إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه فوجده نائمًا قد أغلق عليه الباب فدق عليه الغلام
الباب فناداه ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء, فقال عمر: وددت أن الله نهى
أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن ثم انطلق إلى رسول
اللهفوجد هذه الآية قد أنزلت فخر ساجدًا
شكرًا لله.



قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا
الحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ
ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ
لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ
عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58][10].



5- موافقته في ترك الصلاة على المنافقين :


قال عمر: لَمَّا تُوُفِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ
اللَّهِلِلصَّلاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ
إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلاةَ، فَتَحَوَّلْتُ حَتَّى
قُمْتُ فِي صَدْرِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَى عَدُّوِ اللَّهِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا
-يُعِدُّ أَيَّامَهُ- قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِيَبْتَسِمُ، حَتَّى
إِذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ
فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ
اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي
القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 80]. لَوْ
أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ. قَالَ:
ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَمَشَى مَعَهُ، فَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ
مِنْهُ. قَالَ: فَعَجَبْتُ لِي وَجَرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ:
{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ
عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ
فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].



فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِبَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ
وَلا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.



6- عمر وتحريم الخمر :


قال عمر: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا
فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي
الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ
فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219]. قَالَ فَدُعِيَ عُمَرُ: فَقُرِئَتْ
عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً.
فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]. فَكَانَ مُنادِي رَسُولِ اللَّهِإِذَا أَقَامَ الصَّلاةَ نَادَى أَلا
يَقْرَبَنَّ الصَّلاةَ سَكْرَانُ. فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتِ الآيَةُ
الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ:
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]. قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا.
وهكذا خضع تحريم الخمر لسنة التدرج، وفي قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]؟ فهم عمر من
الاستفهام الاستنكاري أن المراد به التحريم، لأن هذا الاستفهام أقوى وأقطع في
التحريم من النهي العادي، ففي ألفاظ الآية وتركيبها وصياغتها تهديد رهيب واضح
كالشمس في التحريم.



جمع القرآن الكريم :


كان من بين شهداء المسلمين في حرب اليمامة الكثير من حفظة القرآن الكريم، وقد
نتج عن ذلك أن قام أبو بكر الصديق t بمشورة عمر بن الخطاب
t بجمع القرآن، حيث جُمع من الرقاع والعظام والسعف ومن
صدور الرجال.



"لقي زيد
بن ثابت عمر بن الخطاب فقال له: إن هذا القرآن هو الجامع لديننا فإن ذهب القرآن
ذهب ديننا، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب. فقال له: انتظر حتى نسأل أبا بكر.
فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك، فقال: لا تعجل حتى أشاور المسلمين. ثم قام خطيبًا
في الناس فأخبرهم بذلك فقالوا: أصبت.



فجمعوا القرآن، وأمر أبو بكر مناديًا فنادى في الناس: من كان عنده من القرآن شيء
فليجئ به. قالت حفصة: إذا انتهيتم إلى هذه الآية فأخبروني:



{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى
وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
فلما بلغوا إليها قالت: اكتبوا والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر. فقال لها عمر: ألك
بهذا بينة؟ قالت: لا. قال: فوالله لا نُدخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة
بينة"[11].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:45 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  377_image002ما أعظم
التواضع لو كان من عظيم حقيقي العظمة.



التواضع من مكارم الأخلاق التي اتصف بها الفاروق t
وأورثته محبة الآخرين.

فالعبد المتواضع يجعل الناس يحبون معاملته، ويودون مجالسته، ويتمنون لقاءه،
ويستأنسون بكلامه، ويتفانون في خدمته.



فالتواضع يعني قبول الحق ممن كان، وخفض الجناح ولين الجانب، وعدم شعور النفس بأن
لها فضلاً على الآخرين. وما أجمل قول الشاعر:



تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لاحَ لِنَاظِرٍ *** عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ
وَهْوَ رَفِيعُ



وَلا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُو بِنَفْسِهِ *** إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهْوَ
وَضِيـعُ



وهذا الشافعي رحمه الله يقول: "التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من
شيم اللئام", ويقول: "أرفع الناس قدرًا من لا يَرَى قدره، وأكثر الناس فضلاً من لا
يَرَى فضله"[1].



عمر بن الخطاب يعطي الناس قدرهم :


ولنصغ بقلوبنا إلى هذه الرواية، فقد أورد المتقي الهندي في (كنز العمال جزء 1-
صفحة 5) عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس بن ذي الخمار تنبأ باليمن
فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فأتاه فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال:
أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. فأمر بنار عظيمة ثم ألقى أبا مسلم فيها، فلم
تضره. فقيل للأسود بن قيس: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك. فأمره بالرحيل،
فقدم المدينة، وقد قبض رسول الله، واستخلف أبو بكر، فأناخ
راحلته بباب المسجد ودخل يصلي إلى سارية فبصر به عمر بن الخطاب، فقام إليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من أهل اليمن.
فقال: ما فعل الذي حرقه الكذاب؟ (زاد في المنتخب: بالنار) قال: ذاك عبد الله بن
ثوب. قال: فنشدتك بالله، أنت هو؟ قال: اللهم نعم. فاعتنقه عمر، وبكى ثم ذهب به
وأجلسه فيما بينه وبين أبي بكر الصديق، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في
أمة محمدمن صُنع به كما صُنع بإبراهيم خليل
الرحمن فلم تضره النار.



ومن تواضع عمر ورقته ومن عجيب أمره، أنه مع هيبة الناس له، كان إذا غضب فقرأ أحد
عليه آيات الرحمن، أو ذكّره بالله ذهب عنه غضبه؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قدم
عيينة بن حصن على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يُدْنِيهم عمر t، وكان القراء أصحاب مجلس عمر t
ومشاوريه -كهولاً كانوا أو شبابًا- فقال عيينة لابن أخيه الحر بن قيس: هل لك وجه
عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس رضي الله
عنهما: فاستأذن الحر لعيينة، فلما دخل عليه قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا
الجزل، ولا تحكم بالعدل، قال: فغضب عمر t حتى هم أن يقع
عليه، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. قال: فوالله ما
جاوزها عمر t حين تلاها، وكان وقافًا عند كتاب الله.



عمر بن الخطاب يعرف نفسه جيدًا :


يروي أنس بن مالك t فيقول: سمعت عمر بن
الخطاب t يومًا، وخرجت معه، حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول،
وبيني وبينه حائط، وهو في جوف الحائط: "عمر بن الخطاب.. أمير المؤمنين.. بخ بخ،
والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك".



وقدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد
الحر، وعمر معتجر (معمم بعباءة), يهنأ بعيرًا من إبل الصدقة (أي يطليه بالقطران)
فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه إبل الصدقة،
فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير
المؤمنين، فهلا تأمر عبدًا من عبيد الصدقة فيكفيك؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد مني،
ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في
النصيحة، وأداء الأمانة.



وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: رأيت عمر بن الخطاب t على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغبي لك هذا،
فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين، دخلت نفسي نخوة؛ فأردت أن أكسرها.



وعن جبير بن نفير: أن نفرًا قالوا لعمر بن الخطاب: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط،
ولا أقول للحق ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد
رسول الله. فقال عوف بن مالك: كذبتم والله، لقد رأينا بعد رسول الله. فقال: من هو؟ فقال: أبو بكر. فقال
عمر: صدق عوف وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير
أهلي. يعني قبل أن يسلم؛ لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين.



وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء ولا يقتصر على الأحياء منهم، ولكنه يعم
منهم الموتى كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكرهم، ويظل يذكرهم بالخير في كل
موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل، وعدم نسيان ما قدموه من جلائل
الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال من رجال إلى رجال، فلا ينسى
العمل الطيب بغياب صاحبه أو وفاته وفي هذا وفاء وفيه إيمان.



ونجد من شمائل الفاروق t خوفه من الله، ونرى ذلك الخوف واضحًا جليًّا في
أفعاله وأقواله، كان يبكي t ويكثر البكاء، ويذهب إلى حذيفة بن اليمان t يقول له: أستحلفك
بالله، أأنا من المنافقين؟ ويقول ابن عباس t: دخلت على عمر
حين طعن، فقلت أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصر الله بك الأمصار، وأوسع بك
الرزق، وأظهر بك الحق، ودفع بك النفاق. فقال عمر: أفي الإمارة تثني عليّ يا ابن
عباس؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين وفي غيرها.



قال: فوالذي نفسي بيده، لوددت أني أنجو منها كفافًا، لا أوجر ولا أوزر، والله
لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر.



فوالله لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع.



وقال له ابن عباس مثنيًا عليه: أبشر بالجنة، صاحبت رسول اللهفأطلت صحبته، ووليت أمر المؤمنين
فقويت، وأديت الأمانة.



فقال عمر: أما تبشيرك إياي بالجنة، فو الله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا
وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر. وأما قولك في إمرة
المؤمنين فوالله لوددت أن ذلك كفافًا لا لي ولا عليّ. وأما ما ذكرت من صحبة نبي
اللهفذلك.



وقد كان الفاروق t واحدًا من المتواضعين فحاز كمال
الإيمان ونال رضا رب العالمين.



فهذا موقف من مواقف تواضع الفاروق t يرويه لنا طارق بن
شهاب (رحمه الله) فيقول:



لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه، ثم أخذ بخطام راحلته
وخاض المخاضة، فقال أبو عبيدة بن الجراح: لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلاً عظيمًا
عند أهل الأرض، نزعت خفيك وقدمت راحلتك، وخضت المخاضة. قال: فصك عمر بيده في صدر
أبي عبيدة وقال: أوه.. لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة!



أنتم كنتم أقل الناس، وأذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة
بغيره يذلكم الله تعالى.



ما أروعها من كلمات.



وما أعظمه من موقف.



فالفاروق لا يرى العز والشرف إلا في نعمة الإسلام، ومن اعتز بأي عرض من أعراض
الدنيا من مال وجاه، أو غيرهما أذله الله.



والمتأمل في الموقف يشاهد تواضع الفاروق t في عبوره
المخاضة، وعدم اكتراثه لنظرات الناس إليه.



فالمتواضع لا يبحث عن السمعة والرياء، ولا يأنف من السير على أقدامه، أو خوض
مخاضة، ولو كان أمير المؤمنين.



حتى عندما لقب بأمير المؤمنين تعجب الفاروق المتواضع من هذا اللقب، وخشي أن يعني
التزكية، وطلب من قائله إبراء نفسه مما قال؛ يروي الزهري رحمه الله يقول: إن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة: لأي شيء
كان يكتب: من خليفة رسول الله. في عهد أبي بكر t، ثم كان عمر يكتب أولاً: من خليفة أبي بكر، فمن أول من كتب: من
أمير المؤمنين؟



فقال: حدثتني الشفاء -وكانت من المهاجرات الأول- أن عمر بن الخطاب t كتب إلى عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين، يسألهما عن
العراق وأهله، فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم، فلما قدما المدينة أناخا راحلتهما بفناء المسجد ثم
دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا: استأذن لنا يا عمرو على أمير
المؤمنين.



فقال عمرو: أنتما أصبتما اسمه، هو الأمير، ونحن المؤمنون، ووثب عمرو فدخل على
عمر أمير المؤمنين، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.



فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟! ربي يعلم، لتخرجن مما قلت؟
قال: إن لبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم قد أناخا راحلتهما بفناء المسجد، ثم دخلا عليّ
فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين. فهما والله قد أصابا اسمك، ونحن
المؤمنون، وأنت أميرنا.



قال فمضى به الكتاب من يومئذ، وكانت الشفاء جدة أبي بكر بن سليمان.



عمر بن الخطاب يدعو غيره إلى التواضع :


وكان الفاروق t مع تواضعه الجم يدعو غيره إلى التواضع،
وهذا هو التواضع الإيجابي.



يقول سليم بن حنظلة البكري: كنا جلوسًا حول أُبَي بن كعب نسائله، فقام،
فاتبعناه.



فرفع إلى عمر بن الخطاب، فعلاه بالدرة فقال أُبَي: مهلاً يا أمير المؤمنين، ما
تصنع؟ فقال: إنها فتنة للمتبوع، ومذلة للتابع.



وهذه دعوة من الفاروق إلى التواضع، وتحذير من الوقوع في الكبر، فمن صفات
المتواضعين: أنهم لا يحبون أن يمشي وراءهم أحد، ولذا كان أصحاب النبييكرهون أن يسير الناس وراءهم.



وما أروع الفاروق، وهو يعاتب نفسه على شيء يسير حدثته به، وفي ذلك أبلغ الدروس
والعبر.



يروي محمد بن عمر المخزومي عن أبيه أن قال: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة،
فلما اجتمع الناس وكبروا صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على
نبيه.



ثم قال: أيها الناس. لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة
من التمر، أو الزبيب، فأظل يومي، وأي يوم؟!



ثم نزل عن المنبر، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن
قمّأت نفسك -يعني عبت- فقال: ويحك يا ابن عوف!!



إني خلوت فحدثتني نفسي، قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن
أعرفها نفسها.



ومن المواقف الرائعة والتي يتجلى من خلالها تواضع الفاروق الجم، ما رواه الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى فقال: كنت مع عمر بن الخطاب فلقيه
رجل فقال: يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعدني على فلان فإنه قد ظلمني. قال: فرفع
الدرة فخفق بها رأسه فقال: تَدَعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر
من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني.



قال: فانصرف الرجل وهو يتذمر، قال: عَلَيَّ الرجل. فألقى إليه المخفقة وقال:
امتثل. فقال: لا والله ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا إما أن تدعها لله إرادة
ما عنده أو تدعها لي فأعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: فانصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل
منزله ونحن معه فصلى ركعتين وجلس فقال: يا ابن الخطاب كنت وضيعًا فرفعك الله وكنت
ضالاً فهداك الله وكنت ذليلاً فأعزك الله ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك
فضربته، ما تقول لربك غدًا إذا أتيته، قال: فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا
أنه خير أهل الأرض.



والتواضع لا يزيد العبد إلا عزًّا ورفعة، كما روى أبو هريرة t أن النبيقال: "مَا
تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ".



من تواضع عمر نزوله عن رأيه في قتال المرتدين :


قال أبو هريرة t: لما توفي رسول اللهوكان أبو بكر بعده، وكفر من كفر من
العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس، وقد قال الرسول: "أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَمَنْ قَالَ: لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ. عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ بِهِ
عَلَى اللَّهِ". قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن
الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا، كانوا يؤدونه رسول اللهلقاتلتهم على منعها.



قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن اللهشرح صدر أبي بكر
للقتال فعرفت أنه الحق.



وعندما اقترح بعض الصحابة على أبي بكر بأن يبقي جيش أسامة، حتى تهدأ الأمور.
وقال عمر t: إن معه وجوه المسلمين وجلتهم، ولا آمن على
خليفة رسول اللهوالمسلمين أن يتخطفهم المشركون، ولكن
أبا بكر خالف ذلك، وأصر على أن تستمر الحملة العسكرية في تحركها نحو الشام مهما
كانت الظروف والأحوال والنتائج.



لقد طلب الأنصار رجلاً أقدم سنًّا من أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فوثب أبو بكر t وكان جالسًا، وأخذ بلحية عمر t وقال:
ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله، وتأمرني أن
أعزله. فخرج عمر إلى الناس فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت في سببكم من خليفة
رسول الله.



وعن الحسن البصري قال: خرج عمر t في يوم حار
واضعًا رداءه على رأسه، فمر به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، فوثب
الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركب، وأركب أنا خلفك
تريد أن تحملني على المكان الواطئ، وتركب أنت على الموضع الخشن. فركب خلف الغلام،
فدخل المدينة وهو خلفه، والناس ينظرون إليه.



عمر بن الخطاب يقبل النصح من الجميع :


خرج عمر بن الخطاب من المسجد والجارود العبدي معه، فبينما هما خارجان إذ بامرأة
على ظهر الطريق، فسلم عليها عمر فردت عليه السلام، ثم قالت: رويدك يا عمر حتى أكلمك
كلمات قليلة. قال لها: قولي. قالت: يا عمر عهدي بك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ
تصارع الفتيان، فلم تذهب الأيام حتى تسمى عمرًا، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير
المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الموت خشي الفوت، فقال الجارود:
هيه، قد اجترأت على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها، أما تعرف هذه يا جارود؟ هذه
خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فعمر أحرى أن يسمع
كلامها.

أراد بذلك قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1].



يسمع كلام حذيفة :


قال حذيفة: دخلت على عمر t فرأيته مهمومًا حزينًا، فقلت
له: ما يهمك يا أمير المؤمنين؟

فقال: إني أخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيمًا لي. فقال حذيفة:
والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك. ففرح عمر وقال: الحمد لله الذي جعل لي
أصحابًا يقومونني إذا اعوججت.



عمر يعترف بصواب رأي امرأة :


قال عبد الله بن مصعب خطب عمر t فقال: لا تزيدوا مهور
النساء على أربعين أوقية، وإن كانت بنت ذي فضة، يعني يزيد ين الحصين الحارثي، فمن
زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.



فقامت امرأة من صف النساء طويلة في أنفها فطس فقالت: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت:
لأن الله يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20].

فقال عمر t: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.



وهذا مما يدل على جم تواضعه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:48 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  379_image002نشأ عمر
في كنف والده وورث عنه طباعه الصارمة، التي لا تعرف الوهن، والحزم الذي لا يدانيه
التردد، والتصميم الذي لا يقبل أنصاف الحلول.



وكان t من أشراف قريش وأعيانها، وإليه كانت السفارة في
الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرًا -أي
رسولاً- وإذا نافرهم منافر، وفاخرهم أحد رضوا به، وبعثوه.



ونال السفارة؛ لأنه رجل قوي البنيان، مجدول اللحم، رابط الجأش، ثابت الجنان،
صارم حازم، لا يعرف التردد والأَرْجحة، ينأى عن الذبذبة والمراوغة، لا تتناوبه
الأهواء المتنازعة، ولا الآراء المشتتة، بل نفسه كُلٌّ واحد، إذا تحرك تحركت كل
قدراته، واحتشدت في شخصية واحدة متكاملة متسقة، فحيثما وجد عمر t وجدت شخصية وإدارة ومنهج، في دقة واتساق، كأنه جيش يتحرك بخطى
قوية إلى اتجاه واحد محدد، بشخصية فذة ليس لذرة في كيانه عن إرادته شذوذ، أو عن
وجهته مهرب.



كان عمر t صافي النفس صفاء سماء مكة، واضح السريرة من
غير تعرج، ولا انحناءات وضوح الصحراء التي ترعرع فيها، راسخ العزيمة رسوخ الجبال
الرواسي، التي رعى الأغنام بين جنباتها، متلألئ الصفات كالكوكب الدريّ في كبد
السماء.



فكان من كل ذلك هذا الرجل الشامخ العملاق، الصارم الحازم، الصلب الصلد، الواضح
وضوح الشمس، الذي إن رأيته قرأت دخيلة نفسه، وقد ارتسمت على ملامح وجهه، لا مخبوء
فيها ولا مستور.



ولقد أصابت قريش في اختيارها، وما اختارته إلا عن ابتلاء منها واختبار، ليكون
لها سفيرًا ومنافرًا ومفاخرًا ومكاثرًا.



هذا العنفوان العارم، والبأس الشديد، قد جنده عمر في محاداة دعوة الحق I، عندما قام رسول اللهيدعو الناس على
بصيرة للتوحيد، ونبذ الأصنام.



كان عمر t قبل إسلامه في الصف المعادي للإسلام، وقد
أفرغ كل قوته في بحر الشرك المتلاطم حول الدعوة الجديدة، وكان متشبثًا بموقفه لدرجة
تعصف بأي أمل في إسلامه وأن يكون يومًا مع الركب المؤمن، ولقد كان أذاه للمسلمين
يبلغ أذى قريش مجتمعة، ولم يسلم منه حتى أخته وصهره سعيد بن زيد.



ومع كل هذا كان رسول اللهيطمع في إسلامه، لما يعلمه فيه من
القوة التي اتسمت بالوضوح والتفوق الباهر، الذي جند في غير طريق الحق.



لقد كان طغيان الوثنية وعرامة الشرك، والتمسك بما آل عليه الآباء من عقائد وموقف
كبراء قريش وزعمائها وعدائهم للدعوة، كل ذلك لم يكن ليترك عمر يسلم بيسر وسهولة بل
لا بد للقلب الشديد، والقوة الهادرة من صوت مجلجل، ومنطق قاهر باهر، يقرع سمع عمر
وفؤاده ليفتحه فتحًا قويًّا.



قصة إسلام عمر تدل على قوة حزمه :


ورد في سبب إسلام عمر t الكثير من الروايات ولكن بالنظر
في أسانيدها من الناحية الحديثية نجد أن الكثير منها لا يصح.



ويروى في إسلام عمر t أن قريشًا قد اجتمعت، فتشاروت في
أمر النبيفقالوا: أي رجل يقتل محمدًا؟ فقال عمر بن الخطاب أنا لها. فقالوا: أنت لها يا عمر. فخرج في الهاجرة
يريد قتل رسول اللهوقد ذكروا له أنهم يجتمعون في دار
الأرقم في أسفل الصفا فلقيه نعيم بن عبد الله، فقال: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد
هنا الصابئ الذي مزق أمر قريش وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله. قال
له نعيم: لبئس الممشى مشيك يا عمر، ولقد والله غرتك نفسك، ففرطت، وأردت هلكة بني
عدي، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمدًا؟ فتحاورا حتى علت
أصواتهما، فقال عمر: إني لأظنك قد صبوت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك، فلما رأى نعيم أنه
غير مُنتهٍ قال: إني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك، وما أنت عليه من
ضلالك. فلما سمع مقالته قال: وأيهم. قال: ختنك وابن عمك وأختك. ويذهب الفاروق لبيت
أخته ويطرق الباب.



فلما دخل قال: ما هذه الهيمنة التي سمعت. قالا له ما سمعت شيئًا. قال: بلى
والله، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه. وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت
إليه فاطمة تدافع عن زوجها فضربها فشجها.



فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم. قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما
بدا لك. وهنا تقرع كلمة الحق الصادقة من أخته وزوجها قلب عمر في أوج بأسه فتمزق ما
عليه من غشاوة، فيلين ويخشع، وفي هذه اللحظة تبرز طبيعة عمر التي تميز بها عن
الأشداء من قريش -كأبي جهل وأضرابه- الذين استبان لهم الحق، فكابروا وعاندوا،
وحادوا الله ورسوله، لقد كانت قوة عمر قوة تَفوّق، لا قوة طيش وتهور، فما أن قرعت
قلبه كلمات الصدق، وجلجلت في فؤاده مدوية، نهض كالبرق الخاطف من فوق صدر سعيد بن
زيد زوج أخته، وندم على ما صنع وارعوى، وتضرع إلى أخته فقال: أعطيني هذه الصحيفة
التي سمعتكم تقرءون آنفًا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتبًا.



فلما قال ذلك، قالت له أخته: إنا نخشاك عليها.



قال: لا تخافي. وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها.



فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها
إلا الطاهر.



فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وقرأ: {طه
* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
* إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى
* تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ
وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:
1- 5].



ويتابع عمر القراءة بقلب واجف، ويتلو بخشوع وتبتل: حتى يصل إلى قوله تعالى:
{إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].



فقال الفاروق: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، دلوني على محمد. قال عمر t: دلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم.



وذهب عمر t إلى جبل الصفا حيث يجلس النبيمع صحابته.



وهناك ينطق عمر t بالشهادتين، فكبر رسول اللهتكبيرة عرف أهل البيت من صحابة
النبيأنه قد أسلم.



من أول يوم في إسلامه وهو حازم :


دخل عمر الإسلام بإخلاص متناه، وعمل على تأييد الإسلام بكل ما أُوتي من قوة،
وقال لرسول الله: ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟
قال النبي: بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق
إن متم وإن حييتم.



قال ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن وكان الرسول-على ما يبدو- قد رأى أنه قد آن الآوان
للإعلان، وأن الدعوة قد غدت قوية تستطيع أن تدافع عن نفسها، فأذن بالإعلان،
وخرجفي صفين، عمر في أحدهما، وحمزة على
الآخر، ولهم كديد ككديد الطحين، حتى دخل المسجد فنظرت قريش إلى عمر وحمزة فأصابتهم
كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهيومئذ الفاروق.



لقد أعز الله الإسلام والمسلمين بإسلام عمر بن الخطاب t، فقد كان رجلاً ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، وامتنع به
أصحاب رسول اللهوبحمزة.



وتحدى الفاروق t المشركين، فقاتلهم حتى صلى عند الكعبة،
وصلى معه المسلمون، وحرص عمر t على مواجهة أعداء الدعوة
بكل ما يملك.



ومن فضائل الفاروق عمر t التي اتصف بها، ويجدر بنا
التحلي بها: عدم محبة الباطل، يروي الإمام أحمد بسنده عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي قَدْ حَمِدْتُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَحَامِدَ وَمِدَحٍ
وَإِيَّاكَ. قَالَ: "هَاتِ مَا حَمِدْتَ بِهِ رَبَّكَ
U". قَالَ: فَجَعَلْتُ أُنْشِدُهُ، فَجَاءَ
رَجُلٌ أَدْلَمُ فَاسْتَأْذَنَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ: "بَيِّنْ،
بَيِّنْ". قَالَ: فَتَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَجَ. قَالَ: فَجَعَلْتُ
أُنْشِدُهُ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَ فَاسْتَأْذَنَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ: "بَيِّنْ،
بَيِّنْ". فَفَعَلَ ذَاكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الَّذِي اسْتَنْصَتَّنِي لَهُ؟ قَالَ: "عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لا يُحِبُّ
الْبَاطِلَ"[1].



قال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: الاستدعاء من النبيمنه رخصة وإباحة لاستماع المحامد
والمدائح، فقد كان نشيده، والثناء على ربه، والمدح
لنبيه، وإخبارهأن عمر t لا
يحب الباطل أي أن من اتخذ التمدح حرفة واكتسابًا، فيحمله الطمع في الممدوحين على أن
يهيم في الأودية، ويشين بفريته المحافل والأندية.



فيمدح من لا يستحقه، ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائله، فيكون رافعًا
لمن وضعه اللهلطمعه، أو واضعًا لمن رفعه الهلغضبه. فهذا الاكتساب، والاحتراف باطل،
فلهذا قال النبيإنه لا يحب الباطل.



وقال العلامة ابن الأثير: أراد بالباطل صناعة الشعر، واتخاذه كسبًا بالمدح
والذم، فأما ما كان ينشده النبيفليس من ذلك ولكنه خاف ألا
يفرق بينه وبين سائره، فأعلمه ذلك.



تسميته الفاروق :


عُرف عمر بن الخطاب t بالفاروق فما معنى ذلك اللقب؟



الفاروق: ما فرّق بين شيئين، ورجل فاروق، يفرق بين الحق والباطل.



وقيل: لأن الله جعل الحق على لسانه.



وقيل: إنه أظهر الإسلام بمكة ففرق بين الكفر والإيمان.



وقد اختلف السلف فيمن سَمَّاه بذلك، فقال بعضهم: سماه بذلك أهل الكتاب، وقد روى
ذلك الزهري بلاغًا ولا يصح.



ويقول أبو نعيم في حلية الأولياء.



وخرجفي صفين، عمر في أحدهما، وحمزة على
الآخر، ولهم كديد ككديد الطحين، حتى دخل المسجد فنظرت قريش إلى عمر وحمزة فأصابتهم
كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهيومئذ الفاروق.



حازم في حكمه :


يقول سويد بن غفلة رحمه الله: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب وهو بالشام يستعدي
على عوف بن مالك الأشجعي أنه ضربه وشجه، فسأل عمر عوفًا عن ذلك فقال: يا أمير
المؤمنين، رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع، ثم دفعها فجرت عن
الحمار، ثم تغشاها، ففعلت ما ترى.



فذهب إليها عوف، وأخبرها بما قال لعمر، فذهبت لتجئ معه، فانطلق أبوها وزوجها
فأخبروا عمر بذلك.



قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم، فأمر به فصلب، ثم قال: يا
أيها الناس: فُوا بذمة محمد، فمن فعل منهم هذا، فلا ذمة له.



وفي رواية عوف بن مالك t قال: إن رجلًا يهوديًا أو
نصرانيًا نخس بامرأة مسلمة ثم حثا عليها التراب، يريدها على نفسها، فرُفع ذلك إلى
عمر بن الخطاب، فقال عمر: إن لهولاء عهدًا ما وَفُّوا لكم بعهودهم، فإذا لم يفوا
لكم بعهدكم فلا عهد لهم. قال: فصلبه عمر.



فالأمن والأمان لمن أوفى بالعهود والمواثيق، وضرب الرقاب لمن خان العهد، وغدر
بما عليه أخذ العهد والذمة.



هذا الأدب الفريد، وتلك الأخلاق السامية في مجال القتال هي ما تعلمه الفاروق من
دينه القويم، وما اتصف به من أخلاق النبي الأُمي، وتلك المكارم
مجتمعة هي سمات الإمام الرباني المحب للجهاد في سبيل الله، وابتغاء ثوابه.



فما أحوج أهل الإسلام اليوم قادة كانوا أو جنودًا إلى تلك المثل الجهادية
الرائعة، التي تظهر صورة سامية من صور الإسلام الشامخ.



يروي عاصم بن عمر فيقول: إن عمر t قدم عليه مال، فأمر
به إلى بيت المال، فجئت وأنا غليّم وعليّ أزير فوجدت درهمًا فأخذته، فقال لي: من
أين هذا الدرهم لك يا عاصم؟



قلت: أعطتنيه أمي، فأرسل إلى أمه: أعطيت عاصمًا درهمًا؟



قالت: لا. قال: أخبرني خبره؟



قلت: وجدته في الحجر- أو قال في الفناء- فأخذه مني، ودفعه إلى رجل وقال: اذهب به
فألقه بين الخوخة والباب.



عزل الولاة :


لم يكن عمر يرضى بأن يهتم بحسن اختيار الولاة فحسب، بل كان يبذل أقصى الجهد
لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم، ليطمئن على حسن سيرتهم، ومخافة أن تنحرف بهم
نفوسهم، وكان شعاره لهم: خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أُبْقي ظالمًا ساعة
نهار.



وكان من حزم عمر t مع ولاته أنه كان يطلب منهم أشياء عن
طريقها يضبط أمورهم.



مواقف أخرى من حزم الفاروق عمر t :


حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ
سُفْيَانُ مَرَّةً: فِي جَيْشٍ- فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ
الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ:
يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِفَقَالَ: "مَا
بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ
رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ". فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَبَلَغَ
النَّبِيَّ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ: "دَعْهُ، لا
يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"[2].



ومشهد آخر :


في موقف حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم
ببعض أمر النبيفقال له النبي: "مَا هَذَا يَا
حَاطِبُ؟" قَالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ
امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ
بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ
إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلا
ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي. فَقَالَ النَّبِيُّ: "إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ". فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "إِنَّهُ
شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ U اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"[3].



عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ
فُلانًا هَلَكَ فَصَلِّ عَلَيْهِ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ فَاجِرٌ فَلا تُصَلِّ
عَلَيْهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسَولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَرَ اللَّيْلَةَ
الَّتِي صِحْتَ فِيهَا فِي الْحَرَسِ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ. فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِفَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ تَبِعَهُ
حَتَّى جَاءَ قَبْرَهُ فَقَعَدَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ حَثَا عَلَيْهِ ثَلاثَ
حَثَيَاتٍ وَقَالَ: "مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"[4]. أخرجه أبو نعيم وأبو
موسى.



وفي أعقاب غزوة بدر جاء عمير بن وهب إلى المدينة قبل إسلامه يريد قتل
الرسول، كان عمر بن الخطاب t في نفر من أصحابه يتحدثون عن بدر، ويذاكرون ما أكرمهم الله به،
وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلته على باب المسجد
متوشحًا سيفه، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر، هو الذي حرش
بيننا، وحرزنا للقوم يوم بدر. ثم دخل على رسول اللهفقال: يا نبي الله، حضر عدو الله عمير
بن وهب، قد جاء متوشحًا سيفه.



قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بجمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا
عمر. ادن يا عمير. فدنا ثم قال: انعموا صباحًا- وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم-
فقال رسول الله: أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا
عمير، بالسلام تحية أهل الجنة. فقال الرسول: فما جاء بك يا
عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا إليه. قال: فما بال السيف في
عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئًا. قال: اصدقني، ما الذي جئت به
له. قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في حجر الكعبة فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم
قلت: لولا دَيْن عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان بن أمية
بدَيْنك وعيالك، على أن تقتلني به، والله حائل بينك وبين ذلك.



قال عمير: أشهد أنك لرسول الله. فقال الرسول: "فقهوا أخاكم في دِينه، وعلموه القرآن، وأطلقوا أسيره
ففعلوا".



ومن هذه القصة يظهر الحس الأمني الرفيع الذي تميز به عمر بن الخطاب t فقد انتبه لمجيء عمير بن وهب، وحذر منه، وأعلن أنه شيطان ما
جاء إلا لشر، فقد كان تاريخه معروفًا لدى عمر، فقد كان يؤذي المسلمين في مكة وهو
الذي حرص على قتال المسلمين في بدر، وعمل على جمع المعلومات عن عددهم، ولذلك شرع
عمر في الأخذ بالأسباب لحماية الرسول، فمن جهته فقد أمسك بحمالة
سيف عمير الذي في عنقه بشدة فعطله عن إمكانية استخدام سيفه للاعتداء على
الرسول، وأمر نفرًا من الصحابة بحراسة
النبي.



ومن كلامه t ما يدل على حزمه :


وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق
نساؤنا يأخذن من أدب الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني فأنكرت أن تراجعني، فقالت:
ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبيليراجعنه، وإن
إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. فأفزعني ذلك، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن. ثم
جمعت عليّ ثيابي، فنزلت فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت: يا حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله يوما إلى
الليل؟ قالت: نعم. قلت: خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله فيهلكك؟ لا
تستكثري على رسول الله، ولا تراجعينه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا
يغرك إن كانت جارتك هي أوضأ منك، وأحب إلى رسول الله[5].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:50 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  381_image002إن الورع
بمعناه الحقيقي يعني اتقاء الشبهات، والتنازل عن بعض من الحلال؛ مخافة الوقوع في
الحرام، وقد بلغ سيدنا عمر t درجة عالية من الورع تعلمها
من رسول اللهالذي يقول: "الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشبَّهاتٌ لا يعلمها كثيرٌ من
النَّاس فمن اتَّقى المشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشُّبهات كراعٍ
يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ألا إنَّ حمى اللَّه في
أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد
الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"[1].



فقد ضرب الفاروق t المثل في الورع، والتقوى، والترفع عن
الدنيا، ومما يدل على ورعه t ما أخرجه أبو زيد عمر بن شبة
من خبر معدان بن أبى طلحة اليعمرى أنه قدم على عمر t
بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم ولن أستأثر
عليهم إلا أن أضع يدى في طعامهم، وقد خفت أن تجعله نارا في بطن عمر، قال معدان: ثم
لم أبرح حتى رأيته اتخذ صفحة من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة. فأمير
المؤمنين عمر t يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في
ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج من أن يأكل من طعام منع من مال المسلمين
العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله، وهذا مثال رفيع في العفة والورع إذ
إن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم؛ لأنه منهم، ولكنه قد أعف
نفسه من ذلك ابتغاء مما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك
من الشبهات فحمى نفسه منه.



مشاهد من ورع عمر بن الخطاب t :


وعن عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر t، فكانت له
ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبنا أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن
لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من
مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك
حلال يا أمير المؤمنين ولحمها. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر t، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم
يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة y الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر.



ذكر الآخرة بما فيها من حساب ونعيم أو شقاء أخذ بمجامع عمر t وملأ عليه تفكيره، حتى أصبح ذلك موجهًا لسلوكه في هذه الحياة،
ولقد كان عمر t شديد الورع، وقد بلغ به الورع درجة
عالية



لقد مرض يومًا، فوصفوا له العسل كدواء، وكان بيت المال به عسلًا، جاء من بعض
البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحه الأطباء، حتى جمع الناس وصعد
المنبر واستاذن الناس:



إن أذنتم لي، وإلا فهو علي حرم. فبكى الناس إشفاقًا عليه، وأذنوا له جميعًا،
ومضى بعضهم يقول لبعض: لله درك يا عمر، لقد أتعبت الخلفاء بعدك.



عمر بن الخطاب مع أسرته :


قال عمر t: إن الناس ليؤدون إلى الإمام ما أدى الإمام
إلى الله، وإن الإمام إذا رتع رتعت الرعية. ولذلك كان t
شديدا في محاسبة نفسه وأهله، فقد كان يعلم أن الأبصار مشرئبة نحوه وطامحة إليه،
وأنه لا جدوى إن قسا على نفسه، ورتع أهله فحوسب عنهم في الآخرة، ولم ترحمه ألسنة
الخلائق في الدنيا، فكان عمر إذا نهى الناس عن شيء تقدم إلى أهله فقال: إني نهيت
الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم
وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإنى والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت
له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم أن يتأخر. وكان شديد
المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه وهذه بعض المواقف:



المرافق العامة :


منع عمر t أهله من الاستفادة من المرافق العامة التي
رصدتها الدولة لفئة من الناس، خوفا من أن يحابى أهله به، قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً أنجعتها الحمى فلما سمنت قدمت
بها، قال: فدخل عمر السوق فرأى إبلا سمانا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل: لعبد الله بن
عمر، قال، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ... بخ... ابن أمير المؤمنين، ما هذه
الإبل؟ قال: قلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى، أبتغي ما يبتغي المسلمون. قال:
فقال: فيقولون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد
الله بن عمر اغد إلى رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.



محاسبة عمر بن الخطاب لابنه عبد الله لما اشترى فيء جلولاء :


قال عبد الله بن عمر: شهدت جلولاء- إحدى المعارك ببلاد فارس- فابتعت من المغنم
بأربعين ألفا، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده،
أكنت مفتديا به؟ قلت: والله ما من شيء يؤذي بك إلا كنت مفتديا بك منه. قال: كأني
شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله، وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه-
وأنت كذلك- فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإنى قاسم مسئول وأنا
معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوا
منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إليّ ثمانين ألفا، وبعث بالباقى إلى سعد بن أبى وقاص
ليقسمه.



خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال :


قال معيقيب: أرسل إليّ عمر t مع الظهيرة، فإذا هو في
بيت يطالب ابنه عاصما... فقال لى: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق أخبرهم
أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة) فأعطوه آنية وفضة ومتاعا، وسيفا
محلى، فقال عاصم: ما فعلت، إنما قدمت على أناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه
يا معيقيب، فاجعله في بيت المال.



فهذا مثل من التحري في المال يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه، ومنصبه، فحيث شعر
أمير المؤمنين عمر بأن ابنه عاصما قد اكتسب هذا المال لكونه ابن أمير المؤمنين تحرج
في إبقاء ذلك المال عنده لكونه اكتسبه بغير جهده الخاص فدخل ذلك في مجال
الشبهات.



عاتكة زوجة عمر والمسك :


قدم على عمر t مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله
لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت
له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك. قال: لا.
قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به
عنقك فأصيب فضلاً على المسلمين.



فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر t واحتياطه البالغ
لأمر دينه، فقد أبى على امرأته أن تتولى قسمة ذلك الطيب حتى لا تمسح عنقها منه
فيكون قد أصاب شيئًا من مال المسلمين، وهذه الدقة المتناهية في ملاحظة الاحتمالات
أعطاها الله لأوليائه السابقين إلى الخيرات، وجعلها لهم فرقانا يفرقون به بين
الحلال والحرام والحق والباطل، بينما تفوت هذه الملاحظات على الذين لم يشغلوا
تفكيرهم بحماية أنفسهم من المخالفات.



منع جر المنافع بسبب صلة القربى به :


عن أسلم قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا
على أبي موسى الأشعرى وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، وقال: لو أقدر لكما على أمر
أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير
المؤمنين، وأسلفكما، فتبيعان به متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس
المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح. ففعلا، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما
المال. فلما قدما على عمر قال: أكلَّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا. فقال عمر:
أدّيا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغى لك يا أمير
المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه. فقال: أديا المال. فسكت عبد الله وراجعه
عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا (شركة). فأخذ
عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال. قالوا: هو أول
قراض في الإسلام.



أسس عمر بن الخطاب t مبدءا قويما في معيشة الوالي :


من ورع الفاروق عمر t أنه أسس مبدءًا قويمًا في معيشة
الوالي، وأكله من مال الرعية، وأنه لا يحل له من مال الرعية إلا ما كان آكلاً من
صلب ماله.



فلا يحل للوالي على المسلمين من ماله إلا كسوة الشتاء من الثياب، وكسوة الصيف
وقوته وقوت أهله كقوت رجل من المسلمين، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، وما يحج به
ويعتمر.



يقول عاصم بن عمر: لما زوجني عمر t أنفق علي من مال
الله شهرًا، ثم أرسل إليّ يرفأ، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر، أو عند الظهر،
فقال: يا يرفأ احبس عنه، ثم دعاني، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:



أما بعد يا بني فو الله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه،
وما كان قط أحرم عليّ منه إذ وليته، فعاد أمانتي وقد أنفقت عليك شهرًا من مال الله،
ولست بزائدك، ولكني معينك بتمر من مالي فبعه.



ثم قم إلى جانب رجل من تجار قومك، فإذا ابتاع فاستشركه، ثم أنفق على أهلك. قال
عاصم بن عمر: فذهبت ففعلت.



هكذا يعلم الفاروق أولاده وقومه أن مال المسلمين أمانة في عنقه، وإنما الأخذ منه
بقدر الحاجة والضرورة.



ومن جانب آخر نجد للفاروق يبني في أبنائه قواعد الجد والاجتهاد، والاعتماد على
النفس، والحرص على السعي وعدم التواكل اعتمادًا على جاه الوالد أو أمواله.



ويروي عبد الله بن الأرقم t فيقول: قلت لعمر t: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلي جلولاء، وآنية وفضة،
فانظر ما تأمرنا فيها بأمرك. قال عمر: إذا رأيتني فارغًا فآذني. قال ابن الأرقم:
فجئته يومًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني أراك اليوم فارغًا. قال: أجل ابسط لي
نطعا، فأمر بذلك المال فأفيض عليه، ثم جاء حتى وقف عليه فقال:



اللهم إنك ذكرت هذا المال فقلت: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}
[آل عمران: 14].



اللهم وقلت: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا
تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
[الحديد: 23].



اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم إني أسألك أن نضعه في حقه
وأعوذ بك من شره.



ونمضي مع عفة الفاروق t، وشدته في مال المسلمين، وحرصه
على عدم خوض أسرته في مال الله.



محاسبة النفس عند الفاروق عمر :


من أسباب صلاح القلوب، وهداية النفوس: محاسبة النفس على العيوب والذنوب، لتدارك
التقصير في عبادة علام الغيوب.



ولعل آعظم آية قرآنية توضح لنا أهمية محاسبة النفس في حياة المسلمين، قول الحق
تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].



أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال
الصالحة ليوم معادكم، وعرضكم على ربكم.



فالله تعالى عالم بجميع أحوالكم، وأعمالكم، لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب
عنه من أموركم جليل ولا حقير.



وقد كان الفاروق t آية في محاسبة النفس، حتى قال مقالته
السابقة: لو مات جمل في عملى ضياعا، خشيت أن يسألني الله عنه.



بل كان يدعو المؤمنين إلى محاسبة النفس، مذكرًا لهم بيوم القيامة، حيث لا تخفى
منهم خافية.



يقول عمر بن الخطاب t:



حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في
الحساب غدًا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتجهزوا للعرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقَّة: 18].



وكان الفاروق t يحاسب نفسه على ما يبدر من تقصير منه،
ولو كان شيئًا يسيرًا.



فكل منا في حاجة إلى محاسبة نفسه عن أفعاله وأقواله.



وكل منا في بحاجة إلى محاسبة نفسه عن قدر شكره لنعمة الإسلام.



وما أحرى بكل واحد أن يسأل نفسه:



هل اتقيت الله في مكسبي ومطعمي، ومشربي وملبسي؟



هل أخلصت لله في السر والعلانية؟



هل عدلت في الرضا والغضب؟



هل عفوت عمن ظلمني؟



هل أعطيت من حرمني؟



هل وفيت بالعهد لمن عاهدته. وصدقت في الوعد لمن واعدته؟



هل تذكرت الموت والبلى، واليوم الآخر وشدائده؟



فالخير كل الخير في محاسبة النفس، والشر كل الشر في الهوى، والسعي خلف النفس
الأمّارة بالسوء.



ذكر خوف عمر من الله تعالى :


من شمائل الفاروق خوفه الشديد من الله I، ويظهر ذلك
الخوف جليًا في أقواله وأفعاله.



لقد كان الفاروق على جانب كبير من الخوف من الله، جلس عنده بعض أصحابه عند موته يثنون
عليه بما قدم للإسلام.



فقال: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب اللهقبل أن أراه.

فهذا الطود الشامخ، والرجل الباهر القوي الأمين، الصلب في دين الله، القانت
الزاهد، التقي النقي، لا تفرحه بنفسه بما قدم من أعمال، ولا ييأس من روح الله, أخذ
الورع بقوة.



لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلماه ما تعجز عنه
كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة
رسول اللهمحفوظة لدينا، وفيها علم وتربية وأخلاق
بما لا يقاس عليه.



موقف عمر من هدية ملكة الروم لزوجته أم كلثوم :


جاء في تاريخ الطبري[2]: وقالوا ترك ملك الروم الغزو
وكاتب عمر وقاربه.. وبعثت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب ومشارب
وأحفاش من أحفاش النساء، ودسته إلى البريد فأبلغه لها وأخذ منه، وجاءت امرأة هرقل
وجمعت نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم. وكاتبتها وكافأتها وأهدت
لها، وفيما أهدت لها عقد فاخر، فلما انتهى به البريد إليه، أمره بإمساكه، ودعا
الصلاة جامعة، فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين، وقال: إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى
من أموري، قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم، فأهدت لها امرأة ملك
الروم. فقال قائلون: هو لها بالذي لها، وليست امرأة الملك بذمة فتصانع به ولا تحت
يدك فتتقيك. وقال آخرون: قد كنا نهدي الثياب لنستثيب، ونبعث بها لتباع ولنصيب
ثمنًا، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم، والمسلمون عظموها في
صدرها. فأمر بردها إلى بيت المال، ورد عليها بقدر نفقتها.



غششت أباك ونصحت أقرباءك :


جيء إلى عمر t بمال، فبلغ ذلك حفصة أم المؤمنين، فقالت:
يا أمير المؤمنين، حق أقربائك من هذا المال، قد أوصى اللهبالأقربين من هذا المال فقال: يا بنية
حق أقربائي في مالي، وأما هذه ففي سداد المسلمين، غششت أباك ونصحت أقرباءك.
قومي.



أردت أن ألقى الله ملكًا خائنًا :


قدم صهر عمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال، فانتهره عمر وقال: أردت أن
ألقى الله ملكًا خائنًا؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:52 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  372_image002الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى
لإزالتها، ويأسى لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى، هي كمال في الطبيعة، لأن تبلد الحس
يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان، ويسلبه أفضل ما فيه، وهي العاطفة الحية النابضة
بالحب والرأفة، بل إن الحيوان قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، ومن ثم
كانت القسوة ارتكاسًا بالفطرة إلى منزلة البهائم، بل إلى منازل الجماد الذي لا يعي
ولا يهتز.



والرحمة في أفقها الأعلى وامتدادها المطلق صفة المولى تباركت أسماؤه، فإن رحمته
شملت الوجود وعمت الملكوت، فحيثما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيء أشرق معه شعاع
للرحمة الغامرة، ولذلك كان من صلاة الملائكة له: {رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ} [غافر: 7][1].



إن من رحمة الرجل بأسرته وأمته أن يرفق بهم ولكن الرحمة الأعلى أن يخاف عليهم من
النار، ومن هنا تتحول المواقف التي تكسوها الغلظة في حياة سيدنا عمر إلى مشاهد
تنبئُ بما حوته نفس الفاروق من رحمة عميقة بأمته.



وما أصدق الشاعر حين قال:



قَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا *** فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى
مَنْ يَرْحَمُ



في ظلال رحمة عمر بن الخطاب:


الرعية هم عِبَاد الله، وحق على كل من تولى أمرهم أن يحسن إليهم ويرعى أمورهم
ويقضي حوائجهم، وقد قام الفاروق بذلك قيامًا حسنًا، واجتهد في الوصول إلى تلك
البغية اجتهادًا شديدًا.



يروي ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر
فيها، فصلى صلوات لا يجلس فيها، فأتيت الباب فقلت: يا يرفأ، فخرج علينا يرفأ، فقلت:
أبأمير المؤمنين شكوى؟



قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفأ، ثم خرج علينا فقال: قم يا ابن
عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال، على كل صبرة منها
كتف.



فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما, خذا هذا المال فاقتسماه بين
الناس، فإن فضل فضل فردّا. فأما عثمان فحثا، وأما أنا فجثيت لركبتي فقلت: وإن كان
نقصانًا رددت علينا؟



فقال: شنشنة من أخشن -قال سفيان يعني حجرًا من جبل- أما كان هذا عند الله إذ
محمدوأصحابه يأكلون القد؟! قلت: بلى، ولو
فتح عليه لصنع غير الذي تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا. قال:
فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه، وقال: لوددت إني خرجت منه كفافًا، لا علي ولا
لي.



وكان الفاروق t يمر في الطرقات، ويدخل إلى الأسواق
ليتعرف على أحوال الرعية، ويختبر أحوالهم ويقضي حوائجهم.



وفي البخاري بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t إِلَى السُّوقِ،
فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا
وَلا لَهُمْ زَرْعٌ وَلا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا
بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ
مَعَ النَّبِيِّ. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ
يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ
ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا
طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا
بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ
بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ
عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ
حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ
سُهْمَانَهُمَا فِيهِ[2].



فما أروع الفاروق الذي يقدر لغيره فضله وسابقته، ويكرم بذلك أهله وقومه.



مواقف من رحمة عمر بن الخطاب بالرعية وشفقته بهم:


يقول أسلم مولى الفاروق رحمه الله: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم حتى إذا
كان بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم، إني لأرى هاهنا ركبًا قصر بهم الليل والبرد،
انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان، وقدر منصوبة على
نار، وصبيانها يتضاغون.



فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار. فقالت:
وعليك السلام، فقال: أَدْنُو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ. قال: فدنا، وقال: ما لكم؟
قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع. قال:
فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.



قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟! قال: فأقبل
عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً من دقيق،
وكبة شحم، فقال: احمله عليّ.



فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك. فحملته عليه،
فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل
يقول لها: ذري علي وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها فقال: ابغني
شيئًا، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي
أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه،
فجعلت تقول:



جزاك الله خيرًا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين. فيقول: قولي خيرًا، إذا
جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك -إن شاء الله- ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها
فربض مربضًا.



فقلت: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا
وهدءوا. فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما
رأيت.



وفي رواية أخرى: يا أسلم، أتدرى لم ربضت حذاءهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال:
رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.



إنه سمو في الإحساس بالأمانة، وارتقاء في الشعور بالمسئولية، وقد صاغ شاعر النيل
حافظ إبراهيم قصة المرأة وأبنائها في أبيات رقيقة، فقال:



وَمَنْ رَآه أَمَامَ الْقِدْرِ مُنْبَطِحًا *** وَالنَّارُ تَأْخُذْ مِنْهَ
وَهْـوَ يُـذْكِيـهَا



وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ *** مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُـوهُ
غَـابَ فِي فِيـهَا



رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى *** حَالِ تَرُوعُ لَعَمْـرُ
اللَّهِ رَائِـيـهَا



يَسْتَقْبِلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِيِ غَدِهِ *** وَالْعَيْنُ مِنْ
خَشْيَةٍ سَالَتْ مَآقِيهَا



أين حكام الشرق والغرب، بل الدنيا بأسرها ليشاهدوا حال الخليفة المسلم في العهد
الأول؟



إنها عظة، ويالها من عظة!!




هكذا كان خلفاء المسلمين يعملون على مصالح الرعية، ويعرفون أنهم مسئولون يوم
القيامة عن الكبير والصغير. والغني والفقير، والرجال والنساء على حد سواء.



لقد ارتقى شعور الفاروق في الاهتمام برعيته إلى الدواب، حتى كان يقول: لو مات
جمل في عملي ضياعًا على شط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه.



رحمة عمر بن الخطاب بالمشركين:


شملت رحمة الفاروق المشركين، فها هو الفاروق t في
نصائحه لجنوده أثناء قتالهم لنشر دين الله يقول لهم: لا تقتلوا امرأة ولا صبيًّا،
وأن تقتلوا من جرت عليه المواسي. ويحرص الفاروق كل الحرص على مبدأ احترام العهد،
والوفاء بالوعد حرصًا شديدًا، فمن أمن أحدًا فلا يخفر ذمته أحد، بأي صيغة كان عهد
الأمان.



ومبادئ الفاروق في هذا الشأن واضحة جلية.



إذا قال الرجل للرجل: لا تخف فقد أمنه.



وإذا قال: مترس، فقد أمنه.



وإذا قال: لا تذهل، فقد أمنه.



فبأي لغة كان عهد الأمان استحق صاحبه العهد والأمان.



إن رحمة عمر شملت الصغار والكبار، الرجال والنساء، الإنسان والحيوان.



ومن رحمة الفاروق عمر t :


أنه كان يشترط في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية، وكم مرة أمر قادته في الجهاد
ألا يغرروا بالمسلمين ولا ينزلوهم منزل هلكة، وكتب عمر لرجل من بني أسلم كتابًا
يستعمله به، فدخل الرجل على عمر وبعض أولاد عمر على حجر أبيهم يقبلهم، فقال الرجل:
تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولدًا لي قط، فقال عمر: أنت والله
بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملاً، ورَدَّه عمر فلم يستعمله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime10/11/2011, 6:53 pm

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  374_image002إن رقة
القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب
العفو والغفران، وتكون حرزًا مكينًا وحصنًا حصينًا مكينًا من الغي والعصيان. ما رق
قلب للهإلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات
مشمرًا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب للهوانكسر إلا وجدته
أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذكّر إلا تذكر، ولا بصّر إلا تبصر.



ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنًا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء
عليه I. وما رق قلب للهإلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي
الله. فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة
الله وبطش الله تبارك وتعالى.



ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفًا وخشية للرحمن I.



ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية الملك I.



القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق.



القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.



ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟



ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها؟ إنه الله I[1].



الرقة تتسلل إلى قلب عمر t :


إن الرقة من المعاني الإنسانية الجميلة، التي توحي بطهارة القلب ونقائه، فمتى ما
أحسست من إنسان برقة في قلبه فاعلم أنه على خير، والقلوب الرقيقة تتمتع بقدر كبير
من السعادة التي لا تحسها القلوب القاسية، ولا تشعر بها الأفئدة المتحجرة.



قالت أم عبد الله بنت حنتمة: لما كنا نرتحل مهاجرين إلى الحبشة أقبل عمر حتى وقف
عليّ، وكنا نلقي من البلاء والأذى قبل إسلامه فقال لي: إنه الانطلاق يا أم عبد
الله؟ قالت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا
فرجًا، فقال عمر: صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها قط.



وزادته مسئولية الخلافة رقةً :


دخل عينية بن حصن على عمر فقال: هيه، يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل،
ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همّ أن يقع به.



فقال ابن أخي عينية الحرُّ بن القيس: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال
لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].



وإن هذا من الجاهلين فوالله ما جاوز عمر حين تلاها عليه. وكان وقافًا عند كتاب
الله تعالى.



وكان الفاروق t يبكي في صلاته من خشية الله تعالى حتى
يسمع صوته الذي يرافق البكاء.



وكان في خد عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء[2].



ويروي علقمة بن أبي وقاص رحمه الله أن عمر كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة بسورة
يوسف، وأنا في مؤخرة الصفوف حتى إذا ذكر يوسف سمعت نشيجه.



يا له من أمير رقَّ قلبه :


عن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك
أن تحرسهم الليلة من السرقة. فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر
بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع
بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل
سمع بكاءه، فأتى أمه فقال لها: ويحك إني لأراك أم سوء، مالي أرى ابنك لا يقر منذ
الليلة.



قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى. قال:
ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا. قال:
ويحك لا تعجليه.



فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم، قال: يا بؤسًا
لعمر كم قتل من أولاد المسلمين.



ثم أمر مناديًا فنادى: أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في
الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق: أن يفرض لكل مولود في الإسلام[3].


اسأل الله ان يجمعنا به فى الاخرة وان نكون فى صحبة النبين والصدقين والشهداء
رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  2015027338 رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  2015027338 رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  2015027338
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime13/11/2011, 5:22 pm

بنشكر الاخت ام عمار مجهود رائع منك حبيبتى
تسلمى عاليتى ربنا يجعله فى ميزان حسناتك يا رب

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime13/11/2011, 5:27 pm

مين الاخت اللى تصحبنا معها فى الرحله الثانيه
حبيبتى (ام مهند ومريم) يلا يا قمر احنا فى انتظارك يا غاليتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام مهندومريم
المشرف العام
المشرف العام
ام مهندومريم


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 20/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 2037
العمر العمر : 41

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime15/11/2011, 4:31 pm

جزاكى الله خير اختى ام تسنيم
وجزاكى الله خير اختى ام عمارجعله الله فى ميزان حسناتكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام مهندومريم
المشرف العام
المشرف العام
ام مهندومريم


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 20/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 2037
العمر العمر : 41

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime15/11/2011, 5:33 pm

ان شاء الله رحلتى الى ابى بكر الصديق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام مهندومريم
المشرف العام
المشرف العام
ام مهندومريم


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 20/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 2037
العمر العمر : 41

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime15/11/2011, 5:36 pm

سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه


اسمه – على الصحيح - :
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي .


كنيته :
أبو بكر

لقبه :
عتيق ، والصدِّيق .
قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه :
= كان جميلاً
= لعتاقة وجهه
= قديم في الخير
= وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي .
وقيل غير ذلك

ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق !
وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه .
ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال .

وسماه النبي صلى الله عليه وسلم " الصدّيق "
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته

مولده :
ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر

صفته :
كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم .
وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .

فضائله :
ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه

• فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .

وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها .

فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة .

• وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم
قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )
قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء .
ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .

ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة .

• ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله .

• وهو أول الخلفاء الراشدين

وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه .

واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "

• وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها
فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس
في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى .
ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ؟!

وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .

وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه
قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .

• وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك .

• وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي .

• ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه أخـاً له .
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه
قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى )
وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه .
وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين
قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

• وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وسلم
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه .

• ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها
قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

• ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .

• ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

• وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله
قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .

وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود .

• ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه
قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟
قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما .
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي .

ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم .
وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .
وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة .

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي = رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه = لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ = لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل

• وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام
فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار
وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها

قال ابن الجوزي رحمه الله :
أربعة تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أبو قحافة
وابنه أبو بكر
وابنه عبد الرحمن
وابنه محمد

أعماله :
من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين
فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة .
فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه .
ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام .

وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق

وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن

وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره .

وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش .

وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب .

زهـده :
مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا

عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك .

ورعـه :
كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة

قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري .

وفاته :
توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وه ابن ثلاث وستين سنة .

فرضي الله عنه وأرضاه
وجمعنا به في دار كرامته

أعلم بأنني لم أوفِّ أبا بكر حقّـه

فقد أتعب من بعده حتى من ترجموا له ، فكيف بمن يقتطف مقتطفات من سيرته ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام عمار*
عضو vip
عضو vip
ام عمار*


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 28/05/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 10421
العمر العمر : 35

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime15/11/2011, 6:52 pm

جزاكى الله كل خير حوبى
وجعله فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime18/11/2011, 8:47 am

جزاكى الله كل خيرحبيبتى
مجهود راااااااااائع منك غاليتى
اسعدنا حضورك معنا يا قمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام تسنيم حبيبتى
نائب المديره العامه
نائب المديره العامه
ام تسنيم حبيبتى


انثى
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 18/03/2011
عدد المشاركات عدد المشاركات : 11045

رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه    رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه  I_icon_minitime18/11/2011, 8:58 am

]مين الاخت اللى تصحبنا معها فى الرحله الثالثه
حبيبتى (موحه habebet gozha) يلا يا قمر احنا فى انتظارك يا غاليتى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رحلــــــة في حياة علم من علمـــــــاء الأمه الاسلاميه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مواقف لطيفة فى حياة سيد الخلق
» قصة حياة المصطفي حبيب الله(1)
» جمالك + صحتك = حياة أفضل
» حياة سيدنا يوسف فى فقرات
» الجانب العاطفي في حياة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كيداهم :: كيداهم المسلمه :: السنه النبويه-
انتقل الى: